من أجل الناس… السياسة تخرج من عباءتها الضيقة إلى فضاء الوطن

0

بقلم- خليفة جعفر علي- من أجل الناس… السياسة تخرج من عباءتها الضيقة إلى فضاء الوطن

في زمنٍ تعلو فيه الأصوات ولا تُسمع، وتتكاثر فيه البرامج دون أن تُنفّذ، تظل المبادرات الوطنية الصادقة هي النبراس الذي يضيء عتمة الواقع، ويؤكد أن الوطن ما زال بخير طالما فيه من ينهض بقضاياه من مواقع الفعل لا من أبراج الكلام.

 

 

في مدينة عطبرة، حيث يتقاطع التاريخ مع الكبرياء الوطني، شهدنا مؤخرًا حدثًا فارقًا في المشهد المحلي والسياسي على حد سواء. فقد بادر وفد من الحزب الشيوعي السوداني بالمدينة بلقاء مثمر مع وزير البنى التحتية بولاية نهر النيل، ناقشوا فيه أزمة المياه التي تؤرق مواطني عطبرة، وطرحوا رؤية عملية تقوم على استخدام الطاقة الشمسية لتشغيل محطتي المياه، كحل دائم وبيئي لمشكلة متفاقمة ظلت لعقود دون معالجة جذرية.

 

 

لكن ما يلفت النظر في هذا اللقاء، ليس فقط تفاصيل المشروع، بل المعنى العميق الذي يحمله: حين تعلو مصلحة المواطن على أجندات الحزب، وحين تتقدم روح الانتماء على ضجيج الاصطفاف السياسي، يصبح الحديث عن السياسة شيئًا مختلفًا… يصبح الحديث عن الوطن.

 

لقد عبّرت هذه المبادرة، بوضوح نادر، أن عند المسائل التي تمس حياة الناس وكرامتهم اليومية، لا مجال للتمترس الحزبي ولا للخطابات الموسمية. بل المطلوب هو الانفتاح على فضاء الوطن، حيث تذوب الشعارات أمام حقائق الواقع، ويصبح العمل المشترك هو السبيل الوحيد للعبور نحو التنمية المستحقة.

 

الوزير من جانبه، أبدى تجاوبًا كريمًا، ورحّب بالفكرة، وتم الاتفاق على تكوين آلية فنية مشتركة لدراسة آفاق التنفيذ. وهي خطوة لا تعني فقط الانخراط في مشروع خدمي، بل تمثّل انحيازًا رسميًا واعيًا لمنهج الشراكة الوطنية الذي نفتقر إليه كثيرًا في العمل العام.

 

في عطبرة، لم يكن اللقاء لقاء مسؤولين وحزب، بل كان لقاء إرادات مخلصة. إرادات أدركت أن المستقبل لا يُبنى بالتصريحات، بل بالقرارات. وأن السياسة التي لا تنزل إلى الناس، لا تصعد بالوطن.

 

ومثل هذه اللحظات يجب ألا تمر مرور العابر، بل يُفترض أن تُكتب، وتُوثّق، وتُعمّم كنموذج لما يجب أن يكون عليه الفعل السياسي في سودانٍ جديد، يتطلع أبناؤه إلى خدمات مستقرة، وإلى مسؤولين يسمعون، وأحزاب تبادر لا تعارض فقط.

 

السودان اليوم لا يحتاج إلى الخطب، بل إلى استمرار هذه الروح. إلى تعميم هذه الثقافة: أن الوطن يسع الجميع، وأن الناس هم البوصلة، وأن السياسة الحقيقية تبدأ عندما نخلع عنها ثوب المصلحة ونلبسها وشاح المسؤولية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.