عثمان ميرغني يكتب.. العلاقات السودانية الإيرانية
زيارة وزير الخارجية السوداني – المكلف- السفير على الصادق إلى طهران أثارت رنينا إعلاميا وربما باتت دول عديدة تنظر بارتياب وشكوك لهذه العلاقة المستعادة بعد قطيعة لأكثر من 8 سنوات، ففي خلفية المشهد محاور صراعات إقليمية تمثل ايران اللاعب الأبرز فيها.
من حيث المبدأ؛ الأصل في كل العلاقات بين الدول أن تكون طبيعية، وكلمة “طبيعية” لا يعني مميزة، فمثلا السودان له علاقات دبلوماسية مع دولة فنزويلا وصلت مرحلة تبادل السفراء، ولكن ليس أكثر من ذلك، فهي دولة بعيدة جغرافيا ولا مصالح اقتصادية بين البلدين.
من هذا المنطلق ليس غريبا أن تكون العلاقات الدبلوماسية بين الخرطوم وطهران “طبيعية” بدرجة تبادل السفراء وربما الزيارات الوزارية بل وحتى الرئاسية، لكن هل هي علاقة قابلة للتطور لتصبح شراكة سياسية أو اقتصادية أو استراتيجية؟
هنا المسألة لها بعد آخر..
لنأخذ النموذج السعودي، فالسعودية التي قطعت علاقاتها مع ايران على خلفية أحداث عاصفة نتجت من اعتداء الجماهير على القنصلية السعودية، عادت واستعادت علاقاتها مع ايران رغم الهواجس الغربية عموما والأمريكية خاصة. لكن السعودية لم تنظر لمسألة استعادة العلاقات مع ايران من منظور “الصفقة” قصيرة النظر، بل هي خطة استراتيجية شاملة تتضمن اعادة النظر في كامل الخارطة الدولية وليس مع ايران وحدها.. على سبيل المثال حافظت السعودية على موقف وعلاقة متوازنة في الصراع الروسي- الأوكراني لدرجة استضافة محادثات بين الطرفين، و خرجت السعودية على المحور الأمريكي الذي لا يزال يهندس علاقاته على ما تتمخض عنه مفاوضات الملف النووي الايراني، و رفعت السعودية علاقاتها وشراكتها مع الصين، وتوسعت في علاقاتها مع أفريقيا لدرجة عقد قمة شراكة أفريقية.
في خارطة مدروسة شاملة ومتكاملة كان قرار استعادة العلاقات مع ايران واحدة من الخطوات المدروسة في الاستراتيجية الخارجية للسعودية.
لكن الوضع في السودان مختلف عن النموذج السعودي، فهي مجرد حالة “هبوط اضطراري” استدعتها العزلة التي يعانيها السودان حاليا.
السودان رغم تعرضه لتهديد وجودي وحاجته الماسة للعون والشركاء على المستوى الاقليمي و الدولي إلا أنه لم يستطع تطوير سياسياته الخارجية لتوسيع رقعة الدعم أو حتى التعاطف الدولي، وفي ظل الحاجة الماسة للدعم خاصة العسكري اضطر السودان لتقليب دفاتره القديمة.
غياب الدولة حاليا في السودان يجعل استعادة العلاقت مع ايران بنفس سهولة فقدانها لأي سبب في أي ظرف مقبل، ولهذا قد لا تركز ايران كثيرا على البعد الجيواستراتيجي حاليا، خاصة في ظل عدم تكوين حكومة مدنية تشرف على ادارة البلاد، لكن في خلفيات المشهد تبدو قضايا أمن البحر الأحمر جزءا مهما في تكوين علاقة استراتيجية مع ايران، وهنا ستظهر على الخارطة دول مهمة في المنطقة متأثرة بأي وجود ايراني في المنطقة، مثل السعودية ومصر وغيرها.
علاقات “طبيعية” بين السودان وايران لن تثير غبارا في سماوات دول المنطقة ولا تشكل هاجسا أمنيا لأحد، لكن بناء علاقات استراتيجية سياسية محورية مع ايران بالضرورة ستفقد السودان تعاطف جيرانه وتستدعي قلقهم.