امدرمان- الزاوية نت
كان تعبير “انتزاع” الذي استخدمته القوات المسلحة، في بيان مقتضب، جسد الواقع تماما، في حدث تحرير مبنى الإذاعة والتلفزيون بامدرمان من قبضة قوات الدعم السريع، بعد أكثر من 11 شهرا، منذ اندلاع الحرب التي تسببت فيها في أبريل 2023م، قال البيان إن القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى جنبا إلى جنب تمكنت من انتزاع مقر الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون “ذاكرة ووجدان الأمة السودانية”، من دنس مليشيا آل دقلو الإرهابية والمرتزقة من الدول الأخرى.
يوم الوطن
وكان يوم أمس الثلاثاء يومًا عظيما بالنسبة لجموع الشعب السوداني، فمنذ ساعات الفجر الأولى، تدفقت الأخبار السارة، التي بشرت بتحرير مقر الإذاعة، بعد عمليات قتالية سرشة سطرت فيها القوات المسلحة بطولات كبيرة استطاعت عبرها تدمير كل قوات التمرد الموجودة داخل الإذاعة وهروب الذين نجوا منهم، وبحسب التفاصيل انه عقب وقت الإفطار ليلاً، تحركت قوتان تتبعان للمليشيا بأمدرمان، القوة الأولى كانت تتكون من 40 عربة وعدد 2 سرية مشاة حاولت الهروب من حصار الجيش على محيط الإذاعة والتلفزيون، وتجمعوا في حوش الخليفة، لكن قوات العمل الخاص تمكنت من قتل أكثر من سرية مشاة وتدمير 18 عربة قتالية في اللحظة الأولى، بعدها فرت قوات التمرد إلى جنوب المحلية بشارع الكهرباء، إلا أن قوات المهندسين استطاعت تدمير 36 عربية قتالية متبقي 4 عربات كانت تبحث عن مخرج ما بين الكهرباء وشارع العرضة والصينية.
محالات يائسة
وهنا كان بيان القوات المسلحة التي أكدت فيه تمكنها من إحباط محاولة يائسة من قبل مليشيا آل دقلو الإرهابية للهروب من الطوق الذي تفرضه عليها القوات المسلحة بمحيط منطقة الملازمين والإذاعة، وأضاف البيان “بحمد الله تم القضاء على معظم القوة الهاربة ودمرت واستلمت قواتنا معظم معداتها وآلياتها وجاري إحصاء خسائر العدو، تم تدمير مجموعة أخرى حاولت إسناد قوة المليشيا الهاربة من اتجاه الغرب، يجري حاليا التعامل مع مجموعات صغيرة من العدو تحاول الهروب من خلال ازقة أم درمان”.
شمس الحرية
وبعد بزوغ اشعة شمس ثاني يوم في رمضان، كشفت الحقائق على الأرض، عن حجم المعركة التي خاضتها القوات المسلحة، في مواجهة مرتزقة، عاثت فسادا وتدميرا في واحد من المواقع الرمزية لتاريخ هذه الأمة، حيث تظهر التفاصيل الإضافية أنه في تمام الساعة الثالثة صباحا ظهرت قوة ثانية تتبع للمليشيا، حاولت تأمين خط سير الهاربين واسناد مقرهم بالإذاعة، وكانت حوالي 10عربات قتالية، جاءت من تعويضات بيت المال وحاولت اختراق الدفاع الغربي للمهندسين، إلا أن اسود العرين استطاعوا تدمير 4 منها وفرت 6 عربات تجاه الغرب ناحية امبدة، وقالت المصادر إنه بعد وصول المعلومات الاستخباراتية بهذه التحركات، قامت قوات الجيش بنصب كمين يمكن أن يكون أعنف كمين وقعت فيه التمرد في تاريخها، وبدأت المعارك مع القوتين المتقدمتين من المليشيا وبدأ الجيش التعامل معها بحذر، حيث كان الهدف الأساسي للمعركة توجيه قوات المتمردين إلى “أرض القتل” واعتمد أسلوب قتال الجيش على بناء مقاومة ضعيفة في الاتجاهات التي كانوا يرغبون أن تمر بها قوات التمرد، حيث يتم إيهامهم بانتصار لحظي زائف، وأضاف “واصلت قوات التمرد التقدم في خط السير المرسوم سلفاً من قيادة منطقة أمدرمان، وكانوا مخدوعين لدرجة جعلت “جدادهم” الإلكتروني، يصيح في ليل الأمس عن “تحرير أمدرمان” غير مدركين الكمين الذي كانوا يُساقون اليه.
حفلة شواء
وتقول المصادر إنه في حوالي الساعة الثالثة صباحاً وصلت قوات ميليشيا الجنجويد إلى “أرض القتل” بوسط أمدرمان قُرب رئاسة محلية أمدرمان، وفي هذه اللحظات بدأت القوتان بالإلتقاء، مهللين وفرحين، يخرجون هواتفهم لتصوير مقاطع “تسيطرنا وسيطرنا” وكانوا على وشك بداية حملة إعلامية ضخمة، لكن لحظات قليلة وامطرت عليهم السماء جحيماً وكانت تنهمر عليهم من السماء، قذائف الكورنت، الهاون، ذخائر متتبعة حرارياً وعشرات الهاوزر، ومن الأرض يتلقون نيراناً كثيفة تنهمر عليهم من الاتجاهات الأربعة دون أن يعرفوا مصدرها، تحترق سياراتهم وتنفجر ذخائرهم، من يحاول الركض يلقى حتفه برصاصة عيار 12.7 ملم ومن يزحف على الأرض لينجوا تتلقاه قذيفة مسيرة، في غضون لحظات، هلك ما لا يقل عن 5 سرايا عسكرية كاملة تابعة لميليشيا الجنجويد، بأعدادهم وعتادهم، ومن هرب منهم بجسده فعقله لم يَسلم.. ولأول مرة تعترف المليشيا بهذه الهزيمة النكراء، حيث قال مستشارها المتخفي في لندن عمران عبدالله، إنهم خسروا مقر الإذاعة والتلفزيون، لكنه حاول تبرير الهزيمة بالحديث عن هدنة إنسانية، وكأن هذه القوات لها علاقة بالإنسانية أصلا.
معاني التحرير
طرح السياسي والكاتب محمد جلال هاشم، في مقال استفهامي ماذا يعني تحرير الإذاعة، حيث قال إن التحير يعني تسجيل هزيمة مرة لمليشيات الجنجويد باعتبار أن موقع الإذاعة والتلفزيون هو أحد أقوى الحصون من ناحية عسكرية، وتعود قوة هذه التمارين والتحصّن إلى عدة عوامل، أولها احتداد الموقع بالنيل شرقا، ثم ثانيا وجوده داخل حي سكني هو حي الملازمين، ثم إحاطته مباني عالية، الأمر الذي يتيح لمليشيات الجنجويد فرصة سانحة للترصد وتموقع القناصة، وأشار هاشم إلى ان تحرير الإذاعة يعني عودة الماكينة الإعلامية للدولة من مقارها، ما يعني أيضا عودة الحياة الفكرية والثقافية والاجتماعية إلى سابق عهدها، ما يعني تكريس حالة نظامية الدولة مقابل الفوضى وكل معالم تسييل مؤسسة الدولة التي شهدتها ولا نزال نشهدها اينما حلت مليشيات التتار الجنجويدية، وأضاف “تحرير منطقة الإذاعة والتلفزيون يعني عودة الحياة الطبيعية على طول الشريط النيلي في أطول شارع بأمدرمان وهو شارع النيل وهذا يعني عودة شريان الحياة الاجتماعية الذي يربط مدينة أمدرمان من أقصاها جنوبا إلى أقصاها شمالا”.
زيارة لها ما بعدها
وفي مساء ذات اليوم وصل الفريق أول ركن القائد العام للقوات المسلحة، إلى مقر سلاح المهندسين في امدرمان لأول مرة منذ اندلاع الحرب، في ابريل من العام 2023م، وتناول البرهان إفطار رمضان مع المواطنين في الشارع العام، بينما تلقى تنويرا مهما من قيادات المنطقة العسكرية عن سير العمليات العسكرية في امدرمان.
