قراءة في قرار تقييد الاتصالات عبر واتساب في ظل الحرب

2

عندما تُعطّل الدولة صوت مواطنيها: قراءة في قرار تقييد الاتصالات عبر واتساب في ظل الحرب

 

 

بقلم- خليفة جعفر علي- بينما تخوض البلاد واحدة من أكثر الحروب دموية وتعقيداً في تاريخها الحديث، في مواجهة الميليشيا المتمردة التي تهدد وحدة السودان وسلامة أراضيه، فوجئ السودانيون ببيان صادر عن جهاز تنظيم الاتصالات والبريد يعلن فيه تقييد خدمات الاتصال الصوتي والمرئي عبر تطبيق واتساب، اعتباراً من الجمعة 25 يوليو 2025، كإجراء “احترازي لمواجهة المهددات الأمنية”.

 

 

 

 

 

 

لكن، ورغم السياق الأمني الحرج، فإن حجب أدوات الاتصال الأساسية عن المواطنين في لحظة وطنية حرجة كهذه يثير تساؤلات لا تقل خطورة عن الحرب ذاتها: من الذي يُستهدف فعلاً بهذا التقييد؟ وهل يمكن للأمن أن يُبنى على الصمت وقطع الروابط، أم أنه بحاجة إلى مواطنين واعين ومطلعين ومشاركين؟

 

 

 

 

بين المصلحة الوطنية والحرب على الوعي

 

لا شك أن الحرب التي يمر بها السودان  وهي حرب وجود بكل المقاييس  تستدعي أعلى درجات اليقظة الأمنية، وتتطلب قرارات حازمة لحماية الجبهة الداخلية من الاختراق. ولكن، حين تُتخذ قرارات تمس الحق الأساسي في التواصل دون تحديد مبررات واضحة، أو شرح فني أو أمني شفاف، فإنها تضرب وحدة الصف الوطني أكثر مما تخدمها.

 

 

 

 

في ظل الحرب، يصبح الوصول إلى المعلومات الدقيقة، وتبادل الأخبار، والاتصال بالعائلات وفرق العمل، بل والتنسيق بين المبادرات الشعبية، حاجة أمنية ملحّة لا مجرد رفاهية تقنية. فهل يُعقل أن تُعامل هذه الحاجات كخطر على الأمن، لا كرافعة له؟

 

 

 

 

الحرب لا تبرر تكميم الفضاء الرقمي

 

إن البيان الرسمي، الذي لم يُحدد ماهية “المهددات” التي بررت قرار الحجب، اكتفى بلغة عامة تخلو من التفاصيل، وأحال المواطن السوداني إلى عبارة “حتى إشعار آخر”  وهي عبارة تُستخدم عادةً حين تُعطّل القوانين باسم الضرورة، دون سقف زمني، أو ضمانات للعودة إلى الوضع الطبيعي.

 

 

 

 

في ظل الحرب، نحن أحوج ما نكون إلى بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، لا إلى تعميق الفجوة بينهما. وإذا كانت الدولة تحارب ميليشيا مسلحة، فمن غير المنطقي أن تُضيّق في الوقت ذاته على المواطنين المسالمين، وتُصوّرهم  ضمناً كطرف غير موثوق.

 

 

 

 

الضرر الاجتماعي والاقتصادي في زمن الحرب

 

في بلد يعيش حالة طوارئ شاملة، ويعاني من انهيار شبه كامل في البنى التحتية، يعتمد ملايين السودانيين على تطبيقات الاتصال الحديثة كوسيلة أساسية للبقاء على تواصل مع أحبائهم، وتنظيم العمل، والتنسيق الإنساني والإغاثي، بل وحتى الحماية من المخاطر الميدانية.

 

 

 

روّاد الأعمال، والعاملون في المجال الحر، والمبادرات المدنية، والناشطون الإنسانيون، جميعهم يتأثرون بشكل مباشر بغياب أدوات الاتصال. وفي غياب بدائل رسمية، يُجبر الناس على اللجوء إلى تطبيقات غير موثوقة، أو شبكات افتراضية محفوفة بالمخاطر الأمنية.

 

 

 

 

غياب الشفافية: جبهة أخرى من جبهات الحرب

 

لم تطرح الجهات المعنية حتى الآن خطة بديلة أو تبريراً تفصيلياً للقرار، ولم تُحَل المسألة إلى جهة مستقلة لتقييم الأثر، ما يُضعف من مصداقية القرار، ويجعل الشكوك تحوم حول دوافعه السياسية أكثر من مبرراته الأمنية.

 

 

 

وفي خضم حرب تخوضها الدولة لاستعادة سيادتها، فإن ما يحتاجه السودان ليس فقط الانتصار بالسلاح، بل أيضاً الانتصار في معركة الثقة، والشرعية، والمشاركة الواعية.

 

 

 

 

إلى صناع القرار: اجعلوا صوت الشعب جزءً من المعركة

 

لا يُبنى الأمن بعزل المواطنين عن بعضهم البعض، بل بتمكينهم من أن يكونوا شركاء في المعركة. لا يكفي أن نواجه الميليشيات بالسلاح، إن كنا في الوقت ذاته نواجه مواطنينا بسياسات الإقصاء والحجب، وهذا الموقف يتنافى مع مقتضيات بناء دولة حديثة تقوم على المواطنة والثقة المتبادلة.

 

 

 

 

 

خاتمة

 

إننا ندرك أن السودان يخوض معركة مصيرية ضد ميليشيا متمردة لا تقيم وزناً لحياة المواطنين، ولكننا نؤمن أيضاً أن الحرب لا تبرر المساس غير المبرر بحقوق الناس الأساسية، وفي مقدمتها الحق في التواصل.

ونطالب بإعادة النظر في القرار، أو على الأقل، توضيح أسبابه، وتحديد مداه الزمني، وتقديم بدائل آمنة، حتى لا يتحول الفضاء الرقمي إلى ساحة إضافية من سُبل المعاناة.

 

فصوت الوطن يجب أن يُعزز لا أن يُكمّم، خاصةً حين يكون الوطن في خطر.

2 تعليقات
  1. جعفر يقول

    حجب الاتصالات الصوتية والمرئيتة ليس فيه اي نوع مما تسميه اقصاءا وحجبا.. ولو كان كذلك لحجبت وسائل التواصل الاخري من تواصل مباشر هاتفيا ومن تواصل مباشر كتابيا الواتص..
    كتابات منتقدة مثل هذه تفضح كاتبها وتضعه مباشرة في خانة المتضرر من خونة هذا الوطن الذين قصدتهم الجهات الامنية الساهرة علي أمن هذا الوطن العزيز..

  2. خالد يقول

    انت زول جاهل وذو غرض

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.