القضارف… ولاية على هامش الاهتمام

0

بقلم- خليفة جعفر على- بين سهولها الذهبية ومشاريعها الزراعية الواسعة، وثرواتها الحيوانية اللامحدودة تقف القضارف شامخة في عطائها، غائبة في تمثيلها، ومهمّشة في استحقاقها. ولاية تختزن ثروات السودان الزراعية، وتُعد ركيزةً أساسيةً للأمن الغذائي القومي، لكنها في المقابل تقف عاجزةً أمام أبسط الخدمات، وعلى رأسها الحق في المياه.

 

 

 

في القضارف، ما زال مشهد “كارو الحمار” يختزل المأساة، حيث يشرب المواطن مياهاً ملوثة لا تليق بكرامته، رغم أن الحلول الفنية وُضعت منذ أكثر من عشر سنوات والتنفيذية تتعثر بشكل دائم. مشروع مياه القضارف، الذي كان من المفترض أن يُحدث نقلة نوعية في حياة المواطنين، ما زال حبيس التصريحات والوعود، وكأن إنسان الولاية لا يستحق أن يحيا بكرامة.

 

 

 

كانت تطمح أن يتبوأ أحد أبنائها موقعاً سيادياً أو حقيبة وزارية

 

 

وعندما لاح في الأفق تشكيل حكومة جديدة، عقدت القضارف آمالها على “حكومة الأمل”، علّها تجد في هذا العهد مساحة تمثيل تعكس وزنها الحقيقي. كانت تطمح أن يتبوأ أحد أبنائها موقعاً سيادياً أو حقيبة وزارية تُعيد لها الاعتبار في خارطة الدولة. لكن سرعان ما تكسّرت تلك الآمال على صخور الخلافات السياسية، وضغوط من بيدهم السلاح، التي طفت على سطح المشهد العام، فانتهى الأمر بولادة حكومة سُوّقت على أنها حكومة الأمل، لكنها في جوهرها لم تكن سوى امتداد لاتفاق جوبا، بثوب جديد.

 

 

 

 

كثيراً ما تحدّثنا عن واجبية إقليم القضارف، وعن أهمية أن ينهض هذا الإقليم بأبنائه وثرواته، لا أن ينتظر منحاً من المركز أو مكرمات من نُخب الخرطوم. فالقضارف ليست عبئاً على الدولة، بل واحدة من أعمدتها الإنتاجية، ومحرك أساسي لعجلة الاقتصاد الوطني. ولذا فإن الرهان الحقيقي على نهضتها يجب أن ينبع من داخلها، عبر إرادة أهلها، وكفاءة شبابها، وحيوية مجتمعها المدني، في موازاة واجب الدولة في دعم هذا النهوض وضمان العدالة التنموية والسياسية. إذ لا تنمية بلا تمكين حقيقي، ولا عدالة بلا شراكة عادلة في السلطة والثروة.

 

 

 

 

 

 

حكومة تعيد إنتاج المحاصصات القديمة، وتمنح فرصاً جديدة لنخب مألوفة أثبتت فشلها تكرارا، دون اعتبار للأقاليم المنتجة، أو للمكونات التي ظلت لعقود خارج دائرة الضوء.

 

 

 

 

 

 

الأزمة المائية، والتهميش السياسي، لا يمكن فصلهما عن بعضهما. فحين يُغيّب صوت القضارف في مراكز القرار، تُغيّب معه مشاريعها وخدماتها وتنميتها. وحين يُنكر تمثيلها، يُنكر بالتالي حقها في الإنصاف والتقدير.

 

 

 

 

 

 

ليست هذه صرخة يأس، بل نداء عقل وحكمة. إنصاف القضارف هو إنصاف للوطن، وعدالة تمثيلها ليست منّة من أحد، بل استحقاق واجب في وطنٍ يسعى لبناء دولة عادلة وشاملة، لا تُقصي ولا تُهمّش، بل تستوعب كل أطرافها في مشروع وطني حقيقي… فهل يُعاد النظر في ميزان العدالة السياسية؟ وهل تُنصف القضارف أخيراً بعد طول انتظار؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.