(الدولة الأعمق) والفساد الأكبر
بقلم- ضياء الدين بلال- (الدولة الأعمق) والفساد الأكبر.. رجل أعمال وثروة، عاد إلى السودان بعد سنوات من الغياب، تنقّل خلالها بأنشطته المالية بين دول عربية وغربية.
فاجأني بمعلومة بدت لي غريبة وصادمة. قال: هل تُصدّق أن الأرباح التي نُحققها في السودان لا يمكن الوصول إليها في أي دولة أخرى؟! وأضاف: الأرباح في السودان قد تتجاوز200%، وهي نسبة يصعب بلوغها في معظم دول العالم.
ورغم ارتفاع درجة المخاطر، إلا أن الأرباح المغرية تدفعنا للمجازفة.
حين توسعت في النقاش معه، اكتشفت أن خلف هذه المفارقة سببان رئيسيان، مفارقة أن يكون السودان، بلد المعاناة والضائقة العامة، هو ذاته سودان الثراء والثروات والفرص لفئة محدودة، متلونة، عابرة للأنظمة السياسية.
السببان هما:
أولًا: الفساد، وعلاقات المصالح السرية بين بعض المسؤولين وكبار الموظفين ورجال المال.
وثانيًا:ضعف المؤسسية، وانعدام الكفاءة، وسوء القوانين، وما يترتب على ذلك من ثغرات تُستغل من قبل (فهلوية السوق).
كثير من التعاقدات الحكومية الكبرى، خاصة في المشاريع ذات التكلفة المالية العالية، تسببت في خسائر فادحة على خزينة الدولة، إما بسبب الفساد في الجانب الحكومي، أو نتيجة ضعف كفاءة المفاوض ومستشاريه، أو كليهما.
لكن أكثر ما أضر بمصالح الوطن هو تسييس قضايا الفساد، وابتذالها في معارك تشويه الخصوم وتصفية الحسابات.
كل الأنظمة السياسية المتعاقبة استخدمت هذا السلاح ضد خصومها.
حتى الرئيس السابق عمر البشير، في أيامه الأخيرة، استعمل سلاح “تسييس الفساد” ضد مناوئي ترشيحه داخل حزبه، عبر حملة “اصطياد القطط السمان”.
والحكومة الانتقالية الحمدوكية، عبر لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد، سارت على الدرب نفسه، وبالنهج ذاته.
الفساد الأكبر هو ما لا يُفتح له ملف، ولا يُثار عنه حديث، في أي من الأنظمة والعهود.
الفساد الأكبر هو ما تمارسه الدولة الأعمق منذ الاستقلال حتى اليوم.
الدولة الأعمق هي التي فرضت على السيدين المهدي والميرغني، في الديمقراطية الثالثة، إبعاد الوزير المرحوم محمد يوسف أبو حريرة.
أُبعد ذلك المحامي الجسور من وزارة التجارة، لانحيازه لمصالح الشعب ضد مطامع التجار.
وحين سُئل رئيس الوزراء الصادق المهدي عن سبب إبعاده، أجاب بجملته الشهيرة: “وجد في الجو شطة فعطس”.
يأتي نظام ويذهب آخر، وهم على أبواب مصالحهم واقفون، يستقبلون القادمين بالورود، ويودعون الراحلين باللعنات.
لهم في احتواء السياسيين، وإفساد كبار الموظفين والمصرفيين، أساليب مجرّبة وخبرات متراكمة.
الدولة الأعمق هي تحالف كبار التجار ورجال المال مع السياسيين والمصرفيين وكبار الموظفين في أجهزة الدولة.
القوانين تُفصل لخدمتهم، والقرارات تُطبخ في مكاتبهم وقصورهم ومزارعهم، والمعلومات تصل إلى آذانهم أولًا بأول.
من يُصدّق أن الحكومات المتعاقبة، بكل أجهزتها، لم تكن تعلم من يتلاعب بسوق الدولار، ويُسقط قيمة الجنيه؟
كانت تعرفهم بالأسماء والعناوين، لكنها لا تجرؤ على الاقتراب منهم، فتكتفي بملاحقة صبية “البرندات”.
ستبقى الدولة الأعمق، في كل نظام، تمارس فسادها الأكبر، محمية بشبكة المصالح.
لا يطالها قانون، ولا تُرهبها إجراءات الطوارئ.
وكما يقول المثل الأمريكي: “القوانين كخيوط العنكبوت، تقع فيها الطيور الصغيرة، وتعصف بها الطيور الكبيرة”
لم نعرف وزيرا للتجارة انحاز لصالح الشعب السوداني إلا الدكتور ابو حريرة ، الذي كان مجرد انحيازه هذا جريمة كبرى عند السياسيين أجمعهم،، ومن قبله ومن بعده كلهم مع التجار ورجال الأعمال.. واليوم مثلا زيادة انبوبة الغاز بنسبة ٤٠٪ انا متأكد حتى التجار أنفسهم لم بتوقعونها ،وكذلك العيش او الرغيف، بل كل الفاكهة والخضر تزيد عند التجار فقط والمزارع الذي يتعب َ ويكدح له الفتات.. كل حاجة عندنا بالمقلوب… عندما تأتي الفاكهة والخضار يستلمها السماسرة وبدون أي رقابة وهذا ما يحدث على الاقل في الولاية الشمالية وبصورة خاصة مدينة دنقلا وهي الأغلى بين مدن السودان ، ثم يبيع السمسار والبضاعة ما زالت محملة لآخر مقابل عشوة كما يقولون وهكذا يرتفع ثمن البضاعة دون أي مبرر ولا توجد أي رقابة من أية جهة لا حكومية ولا أهلية حتى، وبعدها تاجر التجزئة يبيعها بالضعف تماما يعني يشتري بألف ويبيع ببساطة بألفين وهذا منطبق على كل انواع البضائع بما فيها الغاز والعيش وكل شئ… و أتساءل لماذا تكون حكومات أصلا وهي لا تقدم ولا تؤخر..