بقلم- نورالدين صلاح الدين- عضو المكتب التنفيذي لـ التيار الوطني- من الجبل إلى المجلس الرئاسي.. مفارقة عبد العزيز الحلو وتحالف الجنجويد.. “مقدمة”.. لم يكن عبد العزيز الحلو مجرد قائد لحركة مسلحة؛ بل مثّل لسنوات أحد أبرز حاملي مشروع السودان الجديد، المشروع الذي بشّر به المفكر الراحل جون قرنق، والذي يقوم على مبادئ السلام والعدالة والمواطنة بلا تمييز، واحترام التنوع الثقافي والديني.
وكان كثيرون يرون في الحلو امتداداً صادقاً لهذا الحلم، خاصةً بعد مواقف جريئة ” تفهمتها قوى الثورة حينها ” مثل رفضه التفاوض في يونيو 2020 مع الحكومة الانتقالية حين ترأس وفدها قائد مليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، باعتباره “قائد مليشيا متورطة في جرائم”.
لكن ها نحن اليوم أمام مفارقة فادحة، حيث عبد العزيز الحلو، ذاته الذي رفض التفاوض مع حميدتي بالأمس، أصبح شريكاً له في “مجلس رئاسي انتقالي” أعلنته مليشيا الدعم السريع كحكومة موازية في قلب حربٍ أهلكت البلاد، وتهدف لتقويض ما تبقى من مؤسساتها.
فما الذي تغيّر؟ وهل أصبح تحالف “مشروع السودان الجديد” ممكناً مع رأس المشروع المضاد له؟
” من المشروع إلى النقيض “
إن مشروع السودان الجديد، الذي يستند إلى تفكيك دولة المركز النخبوية وإعادة بناء الدولة على أسس مدنية، تعددية، لا مركزية، ومبنية على العدالة الاجتماعية والمحاسبة، يتناقض في جوهره مع نموذج المليشيا، الذي يُجسد الاستعلاء، الإفلات من العقاب، والإبقاء على القوة خارج مؤسسات الدولة.
قوات الدعم السريع، تاريخياً، لم تكن يوماً قوة تحرير وطني، بل أُنشئت في ظل النظام البائد، وتورطت في جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، بحسب تقارير الأمم المتحدة و مضمون بلاغات محكمة الجنايات الدولية و شهادات المنظمات الحقوقية الدولية.
فكيف يستقيم أن يُختزل مشروع السودان الجديد في تحالفٍ تكتيكي مع هذه القوة، دون أي ضمانات أو مراجعات؟
” خيبة الأمل في الحلو “
تحالف الحلو مع حميدتي ليس مجرد مناورة سياسية عابرة، بل هو مساس بجوهر المشروع الذي لطالما رفع رايته، لقد كان الحلو حتى الأمس القريب يوصف بأنه ” أصلب موقفاً ” من رفاقه في الجبهة الثورية إبان تحالف نداء السودان، وصاحب رؤية سياسية واضحة لا تقايض المبادئ بالمواقع. كان صوته عالياً ضد ما يسميه التسويات الزائفة، وضد التطبيع مع القوى العسكرية الخارجة عن القانون.
لكن مشاركته اليوم في حكومة يقودها حميدتي، جعلت الكثيرين يتساءلون في هل اختار الحلو الطريق السهل للنفوذ؟ أم أنه رهينة لتعقيدات الحرب وتوازنات السلاح؟
إن من المؤسف أن تُقرأ مشاركة الحلو كخيانة لمبادئ السودان الجديد، وكإعلان موتٍ رسمي للحلم الذي سار خلفه كثيرون في جبال النوبة، والنيل الأزرق، وكل بقاع السودان المهمشة.
” خاتمة “
لسنا ضد الحوار، ولا نُجزم بأن العزلة أفضل من خوض التحالفات الصعب، لكن التحالفات، خاصةً في زمن الحرب، لا تُبنى على صمت المبادئ أو على مهادنة الجناة. والحلو، إن أراد الاحتفاظ بمكانته كأحد روّاد مشروع السودان الجديد، فعليه أن يُراجع موقفه، وأن يُعيد تعريف العلاقة مع “الجنجويد” لا على قاعدة الشراكة، بل على قاعدة المحاسبة والتحوّل نحو دولة مدنية عادلة.
إن التاريخ لا يرحم، والضمير الجمعي لا يُخدع بشعارات تُرفع بيد وتُدهس بالأخرى.