ضمّ الملاحة الجوية إلى شركة المطارات
كتب- إبراهيم عدلان.. ضمّ الملاحة الجوية إلى شركة المطارات.. أكثر من زاوية
الأخ ابو العول رجل مجتهد عاصر الفصل منذ بداياته و لكنه واقع تحت تأثير فكرة ان الفصل يعتبر ناقصا إذا لم تنضم الملاحة الجوية الي الشركة السودانية للمطارات وهذا mind set ادخله محمد عبدالعزيز في رؤوس منسوبي الشركة حين قال لهم ان (الملاحة الجوية ستلتحق بركب الشركة خلال عامين) كمخدر كلامي لهم علي امل ان يعمل علي ضمها لاحقا.
تجربة الفصل تحتاج الي تقييم و تقويم بالإجابة علي سوال هل نحن طبقنا الفصل كما ينبغي ؟ دون النظر للخصوصية السودانية و دفعة واحدة دون تدرج طبيعي؟يضمن عدم التخبط و يكبح جماح التدهور الذي اصاب المطارات الولائية، ثم ان الملاحة الجوية: مرفق سيادي لا تشغيلي يجب إعادة النظر في النظر في تغيير موقعها المؤسسي.
و في خضم النقاش الدائر حول إعادة هيكلة قطاع الطيران المدني في السودان، تبرز قضية مرفق الملاحة الجوية بوصفه من أهم المرافق التي تتطلب تموضعاً مؤسسياً دقيقاً يتسق مع طبيعة عملها، ويصون دورها الحيوي في حماية سيادة الدولة وضمان أمنها القومي. ولعل من الخطأ الجسيم تصنيف الملاحة الجوية ضمن الجسم التشغيلي لمجرد أنها تقدم “خدمات”، كخدمات المراقبة الجوية وإدارة الحركة الجوية، دون النظر إلى طبيعة هذه الخدمات وما تُمثله من أهمية استراتيجية تتجاوز المفهوم التقليدي للتشغيل.
طبيعة الملاحة الجوية: خدمات ذات طابع سيادي
إن إدارة الحركة الجوية ليست مجرد نشاط تجاري أو خدمي يمكن إدراجه ضمن مهام الشركات التشغيلية، بل هي ممارسة يومية لسيادة الدولة على أجوائها، وامتداد لسلطتها القانونية والفعلية على حدودها الجوية. إن كل طائرة تعبر أجواء السودان تمر بإذن من مرفق الملاحة الجوية، وتخضع لتوجيهاته وتعليماته، ما يجعل هذا المرفق خط الدفاع الأول عن المجال الجوي السوداني.
وقد نصّت اتفاقية شيكاغو للطيران المدني الدولي (1944) في مادتها الأولى على أن “لكل دولة سيادة تامة ومطلقة على الفضاء الجوي الذي يعلو إقليمها”، وهي سيادة لا تتحقق إلا من خلال جهاز فني سيادي يتولى تنظيم ومراقبة هذا الفضاء، ويضمن عدم اختراقه أو تهديده.
كما تُشير وثيقة الإيكاو رقم 9859 – الدليل العالمي لأنظمة إدارة السلامة (Safety Management Manual) إلى ضرورة الفصل الواضح بين الجهات المقدِّمة للخدمة (ANSPs) وبين الهيئات التنظيمية والرقابية، بما يضمن عدم تضارب المصالح ويحمي سلامة الأجواء.
الخلط المؤسسي: مخاطره على السلامة والسيادة
إن الإصرار على ضم مرفق الملاحة الجوية إلى الأجسام التشغيلية – مثل شركات المطارات أو الطيران – يُعدّ تغافلاً خطيراً عن ضرورة الفصل الوظيفي بين الجهات السيادية والجهات الربحية أو الخدمية. فهذا الدمج لا يُخل فقط بمبادئ الحوكمة الرشيدة والسلامة الجوية، بل يُعرّض المجال الجوي السوداني للتسييس، وربما للاختراق، إن لم يُدار من قبل جهة سيادية مستقلة ومحايدة، خاضعة لرقابة الدولة، لا لسيطرة الشركات.
إن الدعوات الرامية إلى ضم مرفق الملاحة الجوية إلى شركة المطارات السودانية – بحجة دمج الخدمات أو تحقيق التكامل التشغيلي – هي دعوات تتجاهل عمق الدور السيادي لهذا المرفق، وتُخالف أبسط المعايير الدولية في تنظيم المجال الجوي. إن تحويل هذا المرفق إلى إدارة خاضعة لاعتبارات التشغيل والمردود الاقتصادي، هو تهديد مباشر لأمن البلاد، ومسخ لمؤسسة يجب أن تبقى في قلب الجهاز السيادي للدولة.
وندعو كل من يتبنى هذا الطرح إلى مراجعة التجارب الدولية والنصوص المرجعية، وإدراك أن الدول لا تفرّط في مرافِقها السيادية ولا تُقحمها في أجسام تجارية – خاصة في دول ذات هشاشة أمنية وانتقال سياسي مثل السودان.
نماذج وتجارب دولية
- كندا (NAV CANADA): نموذج رائد في خصخصة مرفق الملاحة الجوية ضمن مؤسسة غير ربحية مستقلة عن الحكومة وشركات الطيران، لكنها تخضع لرقابة الدولة وتنسق مباشرة مع القوات الجوية الكندية.
- المملكة المتحدة (NATS): شركة مختلطة تقدم خدمات الملاحة الجوية، تملك الحكومة البريطانية حصة استراتيجية فيها، وتُدار بشكل مستقل عن مشغلي المطارات وشركات الطيران، مع نظام رقابي صارم من هيئة الطيران المدني البريطانية.
- الولايات المتحدة (FAA): تتبع خدمات الملاحة الجوية مباشرة لإدارة الطيران الفيدرالية (FAA)، وهي هيئة حكومية فدرالية لا تهدف إلى الربح، وتُدار كجزء من أمن الدولة وتحت إشراف الكونغرس.
- جنوب إفريقيا (ATNS): مؤسسة عامة تُدير خدمات الملاحة الجوية بشكل مستقل عن مشغلي المطارات، مع ارتباط وثيق بوزارة النقل والدفاع، وتُعد جزءاً من البنية الاستراتيجية للأمن القومي.
- كينيا: قامت بفصل خدمات الملاحة الجوية عن هيئة الطيران المدني، وأُسّست هيئة مستقلة باسم Kenya Air Navigation Services (KANS)، تخضع لرقابة حكومية، وتقدم خدماتها ككيان مستقل لضمان الحياد والمهنية.
التوصية: تثبيت الطابع السيادي للملاحة الجوية
ما نحتاج إليه في السودان هو الاعتراف الصريح بأن مرفق الملاحة الجوية يجب أن يُدار ضمن كيان سيادي مستقل – سواء كمؤسسة عامة أو هيئة تتبع للدولة مباشرة – ويتمتع بصلاحيات تنظيمية وفنية واضحة، بعيداً عن الأجسام التشغيلية، مع ضمان التنسيق الكامل مع الجهات الأمنية والدفاعية.
خاتمة
إن الملاحة الجوية ليست مجرد خدمة؛ إنها أداة سيادية، وأحد أركان حماية الدولة من التهديدات الخارجية، وعنصر أساسي في فرض سيادة السودان على أجوائه. لذا، فإن أي محاولة لإدماجها ضمن الأجسام التشغيلية يُعد خطأً استراتيجياً يجب تداركه في مرحلة إعادة البناء المؤسسي لقطاع الطيران المدني بعد الحرب وان امام الذين يرغبون في الاستفادة من مدخولات الملاحة الجوية هو العودة الي الفصل الوظيفي لقطاع الطيران المدني كما نادت بها وثائق الايكاو بدلا عن الفصل العضوي عبر جسم واحد جامع للقطاع