د. ياسر محجوب الحسين يكتب.. البرهان والرمال المتحركة

0

أعتقد أن حديث الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السبت أمام القوى السياسية والمجتمعية ببورتسودان، من حيث الزمان والمكان، يؤكد إعلان نهاية الحرب على مليشيا الدعم السريع. ويمكن قراءة ذلك من خلال عدة جوانب؛ فقد قدم الرجل خطابًا سياسيًا بامتياز، تضمن مناورة سياسية قد تكون محسوبة النتائج، أو ربما شابتها بعض الأخطاء.

 

 

 

 

فلو لم يكن هناك ضمان بحسم المعركة عسكريًا لصالح الجيش ضد المليشيا، لما أقدم البرهان على الخوض في رمال السياسة المتحركة. إذ إن رسالته الناعمة لقوى (تقدم) قد تغضب الشارع، وهو أمر مقدور عليه بالنظر إلى قدراته السياسية التي تطورت وصقلت بما لا يدع مجالًا للشك. لكن تأثير رسالته على (تقدم) فيما يخص الجيش قد يكون سلبيًا. ومع ذلك، اختار البرهان توقيتًا تأكد فيه من حسم المعركة لصالح الجيش، مما يجعل هذا التأثير السلبي ضعيفًا وسهل المعالجة.

 

 

السؤال هنا: كيف يمكن معالجة الرسالة الموجهة إلى (تقدم)، خاصة إذا فهمها قطاع من السودانيين، سواء من المدنيين أو العسكريين، على أنها منح شرعية ضمنية لقوى خانت السودان علنًا؟ هذا الفهم قد يُفسر على أنه تنازل غير مبرر. ربما أراد البرهان، في إطار ممارسته للعبة السياسة، أن يضع (تقدم) في مأزق: إما أن تتخلى عن المليشيا، مما يضربها سياسيًا كما ضربها عسكريًا، أو أن تتمسك بالمليشيا، مما يعزلها نهائيًا. وفي كلا الحالتين، يعلم البرهان أن (تقدم) لن تجد قبولًا لدى السودانيين، على الأقل في الظرف الراهن.

 

 

 

من جهة أخرى، يبدو أن البرهان أراد مخاطبة المجتمع الدولي، وهو دائمًا ما يضمنه في حساباته السياسية الداخلية. ذلك لأن المجتمع الدولي يمارس ضغوطًا مستمرة لإدماج القوى السياسية، عبر إظهار حسن نية شكلي. لكن البرهان يعلم مسبقًا أن هذه القوى لن تستطيع الصمود سياسيًا بعد تخليها عن المليشيا.

 

 

 

أما حديثه عن المؤتمر الوطني، فإنه يأتي في سياق رسائله الموجهة إلى بريد المجتمع الدولي. ولا ينبغي تحميل هذا الحديث حمولات سياسية أكثر مما يحمل في الواقع؛ فقد رحب أو دعا إلى مشاركة المؤتمر الوطني في الانتخابات وليس هذه المرحلة التي سماها تأسيسية أو انتقالية واعتقد هذا رأي المؤتمر الوطني نفسه الذي يجد في نفسه القدرة على كسب السباق الانتخابي القادم.

 

 

وفي الحقيقة أن البرهان اغلق باب المشاركة حاليا ليس امام المؤتمر الوطني وحده وانما امام كل القوى السياسية بلا استثناء حينما اكد بأن الحكومة المدنية القادمة هي حكومة تكنوقراط مستقلين ولم يحدد مدتها باعتبار ان التعديلات على الوثيقة الدستورية لم تكتمل.

 

 

ويجدر هنا أن الواقع مع استصحاب تصريحات الفريق اول ياسر العطا بإلغائها يشير الى انها ليست تعديلات باعتبار الوثيقة أساسا وانما باعتبار الوثيقة ورقة أو مسودة من ضمن المسودات والاستشارات لوضع اطار دستوري وقانوني جديد وقد ذكر البرهان انه سيختلف عما كانت عليه تلك الوثيقة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.