ضياء الدين بلال يكتب.. ولاية الجزيرة.. “قصصٌ لم تُحكَ بعد”
ما يحدث في الجزيرة أكبر من كارثة، وأعظم من مأساة، جحافل التتار، وجيوش المغول، وحملات الدفتردار تستبيح بلاداً لم تقدم لوطنها سوى الخير.
قلوبٌ بيضاء كلوزات القطن.
أيادٍ خضراء تعطي بسخاءٍ وتواضع، كأنها تأخذ ولا تمنح.
دواوين مفتوحة لضيوف الهجعة، وزُوّار الصباح، وطلاب العلم.
خلاوي ومساجد لتعليم القرآن وإطعام الجائع والمحروم.
الجزيرة حالةٌ اجتماعيةٌ نادرةٌ وفريدةٌ، ذابت فيها فوارق القبائل والألوان والطبقات.
ولم يبق سوى طِيب العُشرة، وحُسن الجيرة، وعجين الود والمحَبّة.
وفي الذاكرة، يصدح الصوت الخريفي الجميل:
في الجزيرة نزرع قطنا نزرع نتيرب نحقِّق أملنا….
فعلوا فيها كل المُوبقات في تواريخ الحروب:
نهب وقتل واغتصاب وإذلال وتهجير.
استباحة شاملة من ذئاب بشرية ضارية، ذات قلوب مُتصحِّرة، وأنفس مُتعطِّشة للدماء.
ذئاب لا تُفَـرِّق بين صغير وكبير، امرأة ورجل، شاب وطفل.
قرى ليس بها حتى أقسام شرطة، وقد لا توجد بها بندقية واحدة للصيد أو مسدس ماء للعب الأطفال.
تهجّـم عليها سيّارات مُدرّعَـة بالثنائي والرباعي، والدوشكات، وشهوات النهب والسلب والاغتصاب.
أمس….
عندما أراد أهلها الاستعداد للدفاع عن أنفسهم، ونفروا خِفافاً وثِقالاً، خذلتهم السلطات ومنعت عنهم السلاح.
وعندما حضر العدو المُتوحِّش، كان خيار الجيش الانسحاب لأماكن آمنة وترك أهل الجزيرة يُواجهون قوات مُدجّجة بالسلاح حتى الأسنان!!
والآن….
مع قطع الاتصالات وغياب الصورة الكاملة للمأساة، تتسرّب المعلومات لتخبر عن مجاعة تُحاصر أهل الزرع والضرع والقدح والمُلاح.
الأرض خاليةٌ من الزرع وما كان مدخراً للأيام والشهور ذهب مع الرياح!!
الأعمال مُتعطِّلةٌ والوظائف مُتوقِّفةٌ، وعون وغوث المُغتربين والمُهاجرين انقطع مع تعطيل شبكات الاتصالات.
غداً….
حينما تعود الاتصالات، وتُحكى الحكايات، وتُروى القصص، سيكتشف العالم فداحة ما كان يحدث بعيداً عن مراصد الكاميرات، ومسامع الناس، وتجاهل المجتمع الدولي..!