السودان.. نقل أمن الطيران

0

كتب- إبراهيم عدلان- تبعية أمن الطيران..قضية شائكة- تستعد سُلطة الطيران المدني هذه الأيام لعقد ورشة مصغّرة تبحث حسبما رشح “نقل أمن الطيران” إلى الشركة السودانية للمطارات، وبرغم ما يبدو في ظاهر الأمر من أنه بحثٌ إداري أو فني، إلا أن جوهر المسألة يمسّ واحدة من أكثر قضايا السيادة الوطنية حساسية وهي أمن الطيران، الذي هو جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن القومي لأي دولة.

غير أن السؤال الجوهري الذي يجب أن يُطرح هو: كيف يستقيم قانوناً أن يُلحق أمن الطيران بشركة تجارية، فالشركة السودانية للمطارات، بموجب قانون تأسيسها لسنة 1925 المعدل في 2015، هي كيان تجاري ربحي يخضع في جميع معاملاته لسلطة الطيران المدني، أي أنها ليست جهة تنظيمية ولا رقابية، بل مشغّل (Operator) شأنها شأن أي شركة تقدم خدمات مدنية مقابل عائد مالي.

فإذا كانت سلطة الطيران المدني هي الجهة السيادية التي تمثل الدولة أمام المنظمة الدولية للطيران المدني (ICAO)، فكيف تُفوّض مسؤولية الأمن — وهو بند منصوص عليه في ملاحق الإيكاو كمكون من مكونات الأمن الوطني — إلى شركة لا تملك الصفة القانونية ولا المؤسسية لذلك؟

تسويق هذا النقل على أنه “إجراء إداري” يُخفي في طيّاته خطأً مفاهيميًا جسيمًا، فالأمن ليس “وحدة خدمة” يمكن ترحيلها من إدارة إلى أخرى، بل منظومة تشريعية وتنظيمية ترتبط بالسيادة، وبالتمثيل الدولي، وبالتزامات السودان تجاه اتفاقية شيكاغو.

وبالتالي، أي قرار بنقل تبعية أمن الطيران من سلطة الطيران المدني إلى الشركة السودانية للمطارات يُعدّ تقويضًا للبنية القانونية التي تقوم عليها سلطة الدولة في المجال الجوي.

القرارات المتعجلة تحت ذرائع “الكفاءة التشغيلية” أو “تبسيط الإجراءات” لا ينبغي أن تمرّ دون مراجعة متأنية، فالأمر لا يتعلق بمكتب أو إدارة، بل بسيادة وطنية، توصية مجلس الأمن رقم 2309 لعام 2016 أكدت صراحة أن أمن الطيران جزء لا يتجزأ من الأمن القومي، وبالتالي لا يجوز أن يُترك لتقدير أو إدارة تجارية مهما كانت مؤهلة.

الخلاصة
ما يجري اليوم ليس نقاشًا حول إدارة أو ورشة عمل عابرة، بل محاولة لإعادة تعريف حدود السيادة داخل قطاع الطيران المدني، وإذا ما تم تمرير هذا القرار، فإننا نكون قد فتحنا الباب لسابقة تقوّض هيبة السلطة الرقابية، وتخلط بين الدور السيادي والدور التجاري في واحدة من أكثر القطاعات حساسية في الدولة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.