السودان.. مجموعات الضغط الدولية والمال السياسي

0

كتبت.. نسرين النمر تحت عنوان “حرب السودان.. مجموعات الضغط الدولية والمال السياسي” قائلة: منذ لقاء البرهان – بولس “بسويسرا” وحالة السرية المضروبة بشأن مخرجاته، يتطلّع الجميع للحصول على أي معلومات، ولو محدودة، تُجيب عن التساؤلات الملحّة حيال ماذا دار وماذا طُرح، لتحليل ما هو متوقّع من خطوات أمريكية بعد اللقاء.

 

 

وهل فعلًا شرعت الولايات المتحدة الأمريكية في إجراء مشاورات واسعة بطريقة تتجاوز «الرباعية» مع دول مثل مصر والسعودية والإمارات وبريطانيا، من أجل تصميم خارطة طريق واضحة برؤية أمريكية خالصة لإنهاء الحرب؟ وهل ما يدور في الداخل من قرارات عاجلة وتحرّك محموم في ميادين القتال له علاقة بترتيبات دولية كلّية للمشهد؟

 

 

الإجابة: (نعم)؛ إذ بات من المعلوم أن الحرب تمر بمرحلة حاسمة ميدانيا وعسكريا وسياسيا، خارجيا وداخليا، فتصاعد الأحداث الميدانية يقابله حراك دولي محموم، وتحالفات وتقاطعات حادة.

 

المشهد كاملا مرتبك، فبينما تصل وتيرة العمل العسكري في محاور كردفان ودارفور لذروتها، إذ يدفع الجيش والمجموعات المساندة له بعدد كبير من المتحركات، مسنودة بسلاح الطيران بشكل دقيق في محاور كردفان، تستميت ميليشيا قوات الدعم السريع المتمردة، في محاولة السيطرة على مدينة الفاشر في إقليم دارفور.

 

 

الجيش، ضمن خطة عسكرية دقيقة وُصفت بالاستنزافية، (حيّد) ما جملته 2500 قائد ميداني مهم للميليشيا، منذ بداية الحرب في 15 أبريل، 700 منهم في محاور كردفان ودارفور. أما الميليشيا وحلفاؤها في تأسيس وغيرها، فقد قطعوا بالسيطرة على الفاشر بنهاية أغسطس الحالي، بحسب طلب الراعي الإقليمي والممول الرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة. ذلك تم بعد تغيير خطتها الأولى، إذ أبعدت دولة تشاد مؤقتًا، وجرى الترتيب مع الحليف الأول، الجنرال الليبي خليفة حفتر، وعليه جرى الدفع بـ2000 مركبة عسكرية لاجتياح مدينة الفاشر بريا، جُهزت بعتاد عسكري ثقيل، تراوح بين المدافع الثنائي والرباعي، ومنظومات الطيران المسيّر، والمركبات القتالية المصفحة، إضافة إلى المرتزقة من ليبيا وكولومبيا، وغيرهما.

 

 

الجميع يعلم أن المعركة تقترب من لحظاتها الحاسمة، ومن المؤسف أن هذا الصراع المحموم يجري فوق أجساد المدنيين من الضحايا، للفوز بأكبر عدد من الكروت الرابحة للجلوس بها على طاولة التفاوض، هذا التفاوض الذي سيفرض فرضا على السودانيين.

 

ما يجري في الميدان يقابله صراع دولي عنيف بين المجموعات ذات المصالح المتقاطعة كليا، وهذا تبيّن في حالة الإرباك والتخبط بين الحلفاء أنفسهم. وما صدر من مجموعة «إنقاذ الأرواح والسلام» الخاصة بالسودان ما هو إلا تمظهر لهذه الحالة؛ إذ إن بيان مجموعة (ALPS) خطوة يمكن وصفها بسياسة «خلط الأوراق» “سنحاول التركيز على هذا البيان وتفكيكه؛ لأنه حدث مفصلي، وبالفعل خلط كل الأوراق وأثر في المواقف القائمة)، فالمجموعة صاحبة البيان، المكوّنة من دول: الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية، والإمارات، ومصر، وسويسرا، بالإضافة إلى منظمتَي الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، تحاول جاهدة التأثير في المسار القائم الآن، والذي يُنظر له كمخرج قريب لحل هذه الأزمة.

 

 

البيان يجب ألا يُقرأ بعيدا عن تطورات الأحداث في ملف السودان بشكل كلي، والمسار الذي ذهبت إليه القيادة مع الإدارة الأمريكية (لقاء البرهان – بولس).

 

بتفكيك هذا البيان، يتكشَّف بوضوح حجم التقاطعات بين الفاعلين الدوليين والإقليميين في حرب السودان أنفسهم، فستمر عملية المد والجزر هذه بحسب اقتراب كل منهم من تحقيق أهدافه أو ابتعاده عنها.

 

ما بين البيان الأول والثاني للتحالف، والفارق بينهما عام بالضبط، نجد خطورة تأثير اللوبي الإماراتي داخل دوائر صنع القرار الأمريكي جلية، إذ يلعب المال السياسي المبذول بسخاء دورًا بارزًا في شراء المواقف وخلق التحالفات، وبالضرورة خلق مواقف جديدة تصبّ في مصلحة مموّل الحرب ومهندسيها الأوروبيين والإقليميين.

 

تحركات اللوبي المتسارعة تحاول قطع الطريق على الاتصالات السودانية – الأمريكية الجارية، إذ عمل على استغلال اختلاف مقاربة الحل والرؤية ما بين الخارجية الأمريكية وسيد البيت الأبيض، صاحب نظرية الصفقات والضغط المباشر كمعالجة مباشرة للأزمات.

 

من الواضح أن البيان يُعبر عن رؤية الخارجية الأمريكية، والتي يمثّل اللوبي الداخلي فيها ضغطًا كبيرًا وتأثيرًا بالغًا ربما يؤثر في مسار التفاهمات القائمة؛ إذ تعمل على شراء الوقت حتى انتهاء فترة المبعوث الإفريقي للإدارة الأمريكية، مسعد بولس، المحددة مسبقا والتي اقتربت من نهاياتها.

 

قطعا السياسة الخارجية الأمريكية لن تتخلى عن حلفائها الإقليميين، وتحديدا (دولة الإمارات)؛ لذلك من المتوقع أن هذه المناورات تمهّد لفرض تفاوض مباشر مع الإمارات، وهذا كما يبدو أصبح الطرح الأقرب، وسيأتي في مقدمة مصفوفة كاملة تشرف عليها الإدارة الأمريكية، مع الأخذ في الاعتبار موقف الحلفاء الأوروبيين. ومن المؤكد ستتخذ الإدارة الأمريكية مخرجًا يرضي هذه الأطراف.

 

أمريكا لن تعمل على تجاوز الدور الإماراتي (المفضوح) في تغذية الصراع في السودان، لكنها ستستغلّ ذلك في فرض تفاوض مباشر بينها وبين السودان، تحت ضغط الشواهد والأدلة على تورّطها، ثم فرض الشروط الأمريكية عليها وعلى الخرطوم.

 

ويعتقد كثيرون بامتلاك الإدارة الأمريكية أدوات الضغط اللازمة، لفرض رؤية شاملة على جميع الأطراف لوقف الحرب.

 

من الملاحظ أن أمريكا لا تتحدَّث أبدًا عن الدعم السريع، باعتبار أن قرار الاستمرار في الحرب هو قرار إماراتي بإخراج بريطاني. وهذا الأمر شديد الأهمية، وهو يمثّل الوجه الجديد في المعادلة (وضوح ومباشرة الرؤية الأمريكية).

 

كنّا قد ذكرنا في مقال سابق أن السياسة الخارجية السودانية يجب أن تُعدد مساراتها، وألا تذهب باتجاه الحل الأمريكي فقط، وإن بدا هو الأقرب والأنسب للمشكل السوداني.

 

وبحسب ما توافر إلينا من معلومات، فإن المسار الأوروبي مع بعض الدول قطع أشواطا مقدّرة مع مجموعة مبعوثين لتلك الدول ومستشارين للرئاسة السودانية، أثمرت التفاهمات عن مواقف ثابتة وداعمة وأكثر صدقية وفي تقديري، يجب الاتجاه في هذا المسار أيضًا.

 

وتوجد أوراق عديدة بيد السودان يمكنه استخدامها، وإذا تعثّرت هذه المسارات، فيجب صناعة مسارات أخرى وبسرعة، فالمسار الأوروبي أهميته لا تقل عن المسار الأمريكي، كما يمكن مخاطبة احتياجات بعض الدول الإقليمية الصديقة سياسيا، مع العمل على تليين بعض المواقف المتشددة.

 

الأسئلة الآن مطروحة ومهمة أمام القيادة، على ضوء ما جرى من قرارات وإعادة ترتيب للبيت الداخلي: هل يجري ذلك وفق خطة كلّية تصبّ في مسار الحل المتوقّع، وتتكامل في فصولها العسكرية والدبلوماسية والترتيبات الداخلية المهمة بما يخدم الخطة الكلية؟

وهل هناك استعداد للجلوس مع دولة الإمارات العربية المتحدة في تفاوض مباشر، علمًا بأن ذلك بات أمرًا واقعًا؟ وفي حال جرى ذلك بشجاعة، ما هو شكل التفاوض والمطلوب كنتائج عادلة؟

 

هناك ما يمكن تحقيقه مع الإدارة الأمريكية مباشرة، وهناك ما يجب طرحه عبر الدول الصديقة الداعمة؛ مثل مصر والسعودية، ودول إقليمية أخرى لديها نفوذ في البيت الأبيض، لتعزيز موقف السودان والتصدي لأي تحالفات تحاول فرض واقع غير مقبول للسودانيين.

 

وحتى ذلك الحين، يجب العمل على تماسك الجبهة الداخلية، فهي الفاعل الرئيس والمهم في إنجاح عملية إنهاء الحرب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.