نظام (ACD) .. شركة غامضة وخيوط وأسئلة مُربكة

0

بقلم- عزمي عبد الرازق – أثناء تتبعي لقصة إقرار الشحن المسبق ACD الذي اعتمدته الجمارك رسمياً، بدأت تتكشف لي الكثير من الخيوط، وتتولد المزيد من الاستفهامات، هل ثمة شعرة فساد، أم أن الموضوع أبعد، أو بالأحرى أخطر من ذلك؟ وعندما بحثت وراء الشركة التي تمنح هذا الإقرار، بمقابل دولاري طبعاً، فوجئت بأن مقرها في دبي، وأنها بالفعل شركة غامضة، لا نعرف كيف وصلت إلى السودان، وماهى مصلحة حكومة كامل إدريس في التعاقد معها؟!

 

ليست المشكلة في المبدأ، ولا في المصطلحات البراقة من قبيل “التحول الرقمي” و”تسهيل الإجراءات”، فهذه عناوين ظلت الجمارك السودانية تمارسها فعلاً، لا ادعاءً، منذ سنوات طويلة تقريباً. المشكلة الحقيقية تكمن في استيراد نظام بلا حاجة، وتفويضه لشركة أجنبية مقرها دبي، تحت اسم ITR Logistics & Trade DMCC Free Zone، لتحصيل ملايين الدولارات من جيوب السودانيين، دون أن تقدم خدمة حقيقية واحدة.

 

الجمارك السودانية لا تحتاج إلى شهادة تصدرها شركة في المنطقة الحرة بدبي لتعرف ماذا يدخل إلى البلاد، ولا إلى منصة خارجية لتتحقق من قيمة الفاتورة، ولا إلى وسيط أجنبي لربطها بالبنوك أو الموانئ أو الضرائب، كل ذلك قائم ومفعل ومجرب، وبشهادة الواقع لا البيانات الدعائية.

 

الخطير في الأمر أن نظام ACD لا يقف عند حد فرض رسم جديد، بل يذهب أبعد من ذلك، في الحقيقة المجردة يفتح خزانة معلومات التجارة الخارجية السودانية – بكل ما تحمله من بيانات حساسة عن السلع الاستراتيجية، الموردين، الكميات، القيم، وأنماط الاستيراد – لصالح شركة غامضة الصفة والدور، لا علاقة لها بالحكومة السودانية، ولا تخضع لرقابتها السيادية.

 

أي منطق اقتصادي أو أمني يبرر أن تُمنح شركة خاصة مقرها دبي حق الاطلاع الحصري على بيانات واردات السكر والدقيق والقمح والدواء وبقية الأشياء، بما فيها التي تصل إلى الجهات السيادية؟ وأي عقل يقبل أن تتحصل هذه الشركة – في سلع محدودة فقط مثل السكر والدقيق – على نحو 14 مليون دولار سنوياً، مقابل “شهادة” لا تُغني عن كشف الجمارك، ولا تُعفي من المعاينة، ولا تسرّع الإفراج؟

 

الجمارك، بعد كل ذلك، لا تكتفي بهذه الشهادة، بل تقوم بالكشف النهائي، والمعاينة، والتقييم، والإفراج، ما يؤكد أن ACD مجرد رسم إضافي بلا أثر فعلي.

 

ثمة سؤال هنا أيضاً يا سادة “طويل ومركّب وغير ملولو”؟ إذا كانت الغاية هي الجودة، فهناك نظام PSI وشهادة المطابقة CoC، المعمول به في دول كبرى، والذي يحقق رقابة حقيقية قبل الشحن، وإذا كانت الغاية هي الرقمنة، فالجمارك السودانية سبقت كثيرين، وإذا كانت الغاية هي الشفافية، فالسجل الجمركي القيمي (Record) حسم أمر الفواتير منذ سنوات. إذن، ما الذي تبقى؟

 

لم يتبق سوى تحويل مورد سيادي جديد إلى الخارج، تحت لافتة “الإصلاح”، علماً بأن أخطر ما في نظام ACD ليس رسمه، بل مقصده، وهى دون مبالغة، نقل وظيفة سيادية – هي إدارة معلومات التجارة الخارجية – من الدولة إلى شركة أجنبية، داخل دولة تناصبنا العداء، في ظرف استثنائي، وبيئة مالية محاصرة، واقتصاد هش، أليس ذلك صحيحاً يا حكومة أمل ربة الصون والعفاف؟ ولهذا، فإن الموقف الرافض لهذا النظام ليس موقفاً عاطفياً أو أيديولوجياً، بل موقف مهني ووطني خالص، يقوم على حقائق واضحة، سوف نفصل فيها أكثر بإذن الله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.