كتب د. مهندس يوسف عزالدين كامل قائلا: في الفترة الأخيرة يحاول البعض، وهم في حقيقتهم أذرع لمليشيا الجنجويد، الترويج لشائعات لا أساس لها من الصحة، مفادها أنّ هناك محاولات لإخفاء “آثار” أسلحة كيميائية في الخرطوم، أو أنّ هناك بقايا لمواد سامة تمنع المواطنين من العودة إلى بيوتهم.
هذه الرواية المضللة تهدف فقط إلى بث الرعب وسط الناس وإطالة أمد النزوح، في الوقت الذي يعمل فيه السودانيون على إعادة إعمار حياتهم بعد هزيمة التمرد. وليس غريباً أن يقف وراء هذه الأكاذيب بعض المحسوبين على ما يُسمى “صمود” ، حيث يمارسون دورهم “الحيادي” بكل نزاهة عهدناها منهم!
أولاً، الجيش السوداني متهم باستخدام نوع محدد من الأسلحة الكيميائية، وهو غاز الكلور. والكلور نادراً ما يترك أثراً يمكن اكتشافه بعد استخدامه، لأنه شديد التفاعل وسريع التطاير، ويتحلل عند ملامسته للهواء أو الرطوبة إلى مركبات غير مستقرة مثل حمض الهيدروكلوريك وهيبوكلوروس. ولهذا السبب لا يبقى الكلور في الهواء أو على الأرض، ولا يخلّف مخلفات يمكن الاعتماد عليها لإثبات استخدامه بعد وقت قصير. وقد أكد لي أحد الخبراء هذه النقطة ، بل وأضاف أنّه، في رأيه جرى اتهام الجيش السوداني باستخدام الكلور تحديداً لهذا السبب: لأنه لا يترك آثاراً يمكن التحقق منها، وبالتالي يُحرم السودان من القدرة على الدفاع عن نفسه أمام مثل هذه المزاعم الملفقة.
ويتمادى المروّجون لهذه الدعاية المضللة بادعاء أن التقيؤ المستمر ــ والذي هو في الحقيقة نتيجة إصابة بعض الأشخاص بمرض الكوليرا ــ يُعد من آثار غاز الكلور، وهذا خطأ علمي واضح. فالكلور قد يسبب الغثيان أو التقيؤ فقط عند التعرض المباشر له أو في الساعات الأولى بعد ذلك نتيجة تهيّج الحلق والمعدة، لكن لا يسبب تقيؤاً مزمناً أو مستمراً. أما الآثار طويلة المدى للكلور، عند من يتعرضون له بتركيز عالٍ، فهي تقتصر على الجهاز التنفسي، مثل التهاب الشعب الهوائية المزمن أو ضيق التنفس أو التليف الرئوي، ولا علاقة لها إطلاقاً باضطرابات هضمية مستمرة كالتي يروَّج لها.
وربما تجدر الإشارة هنا إلى أمر في غاية الأهمية وهو أن الذين وجّهوا الاتهام أنفسهم، وهم المسؤولون الأميركيون – كما نقلت عنهم صحيفة نيويورك تايمز – لم يقولوا أبداً إن الخرطوم شهدت هجمات كيماوية أو أنّ سكانها تعرّضوا للخطر. بل على العكس، جاء في الصحيفة حرفياً أن المسؤولين الأميركيين قالوا إن استخدام الأسلحة، على حد زعمهم، “كان محدوداً في النطاق، وقع في مناطق نائية، ولم يكن فعّالاً”. ونحن بطبيعة الحال لا نوافقهم على هذا الزعم من الأساس، ولكن حتى وفق روايتهم هم، فالاتهام لا يمت بصلة للخرطوم ولا يبرر ترويج هذه الأكاذيب التي تستهدف بث الذعر وسط المواطنين.
خلاصة القول: لا توجد آثار، ولا توجد مخاطر في الخرطوم مرتبطة بهذه الدعاية، وما يُنشر الآن هو محض إشاعات هدفها منع المواطنين من العودة إلى بيوتهم.