كتب- سامي الأمين تحت عنوان ” الفرص المفقودة من عائدات عبور الأجواء السودانية.. رؤية من زاوية أخرى”: في عالم الطيران، لا تُقاس قيمة المجال الجوي بعدد الطائرات العابرة فقط، بل بقدرة الدولة على حمايته، وتطوير الطرق الجوية فيه، وتغطيته بمنظومات الاتصالات المختلفة.
غير أن الأجواء السودانية – أحد أوسع المجالات الأفريقية وأكثرها حيوية – تحوّلت إلى ساحة لفقدان الإيرادات، بفعل قرارات إدارية لا تتوافق مع الاتفاقيات الدولية، واستفادة شركات أجنبية من موارد كان يمكن أن تُوظف لدعم الناقل الوطني والمطارات السودانية.
وهنا تبرز الخطوط الجوية الإثيوبية كنموذج للشركات التي استفادت من قرارات إدارية لا تتسق مع قوانين الطيران المدني والاتفاقيات الدولية، حيث تم تخفيض رسوم العبور بنسبة 15% في عام 2015 ، مما أثار حفيظة تجمع الناقليين الجويين ..اياتا..والشركات الأخرى، فاضطرت سلطة الطيران المدني لتخفيض 10% من رسوم العبور للمجال الجوي لجميع الشركات العابرة.
أدناه محاولة لفهم مبدأ عدم التمييز وآلية فرض الرسوم في القانونين الدولي والمحلي.
أولًا: الإطار القانوني الدولي
يتضح وجود عدم توافق واضح مع اتفاقية شيكاغو، ووفقًا للمادة (15) من اتفاقية شيكاغو 1944، التي تُعد العمود الفقري للقانون الجوي الدولي، فقد نصت بوضوح على ما يلي:
“لا يجوز لأي دولة متعاقدة أن تفرض على طائرات أي دولة متعاقدة أخرى، عند دخولها أو مغادرتها أو مرورها عبر إقليمها، أية رسوم مقابل استخدام المطارات أو التسهيلات الأخرى، تتجاوز ما تفرضه على طائراتها الوطنية التي تمارس خدمات دولية مماثلة.”
“كما لا يجوز فرض أية رسوم على مجرد العبور فوق الإقليم دون هبوط، أو على الهبوط لأسباب غير تجارية، مثل التزود بالوقود أو الصيانة أو الطوارئ، إلا إذا قُدِّمت خدمات مقابل تلك الرسوم.”
“ويجب إعلان جميع هذه الرسوم، وتُفرض على أساس من المساواة بين جميع الطائرات التابعة للدول المتعاقدة، ويُسمح لأي دولة متعاقدة أن تطلب عرض هذه الرسوم على مجلس الإيكاو لمراجعتها.”
وقد أكدت منظمة الإيكاو هذه المبادئ في وثيقتها المرجعية Doc 9082.
غير أن سلطة الطيران المدني السودانية منحت في عام 2015 تخفيضًا بنسبة 15% لرسوم عبور الخطوط الإثيوبية وحدها (نشرة AIC 03/15) استنادًا إلى أنها “أكبر مستخدم” للمجال الجوي السوداني، وهو ما يُعد تمييزًا يتناقض مع مبدأ المساواة بين الناقلين الجويين المستخدمين للمجال الجوي، طبقًا للمادة 15.
كما لا يتوافق هذا القرار مع المادة 15 من قانون تنظيم الطيران المدني لسنة 2010، التي تحدد كيفية تعديل جدول الرسوم، المرفق بالقانون.
ثانيًا: الموارد المالية التي فقدها السودان بسبب التمييز (2015)
في عام 2015 تم تخصيص تخفيض بنسبة 15% للخطوط الإثيوبية من رسوم عبور كانت تبلغ تقريبا نحو 35 مليون دولار سنويًا، أي أن الخسارة المباشرة قاربت 5 ملايين دولار سنويًا.
لاحقًا، وبعد احتجاج الاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA) كما اسلفناعلى هذا التمييز لمخالفته لاتفاقية شيكاغو، صدر تعميم بالتخفيض لجميع الشركات بنسبة 10% (نشرة AIC 04/15). وقد أدّى هذا إلى فقدان سنوي يقدّر بـ 16 مليون دولار من أصل إيرادات كانت تقارب 160 مليون دولار قبل الحرب.
وعند جمع هذه الخسائر على مدى سبع سنوات حتى عام 2022، يصل الفاقد المالي إلى حوالي 112 مليون دولار. وهو مبلغ كان كافيًا لبناء مقر موحد لسلطة الطيران المدني، التي لا تزال تعمل من مبانٍ متفرقة بين شارع النيل والمطار ومركز الملاحة الجوية، كما كان يمكن توظيف جزء منه في دعم الناقل الوطني بمبلغ 50 مليون دولار كبداية، أضافة الي إنشاء شركة وقود بمطار الخرطوم و مروي لتعزيز موارد شركة المطارات القابضة.
ثالثًا: التحديات المرتبطة بفرض الرسوم
يُعتبر فرض الرسوم في مجال الطيران من أكثر التحديات حساسية، لما يصاحبه من شكاوى دائمة من الشركات العاملة بسبب غياب العدالة في التسعير، وارتفاع معدلات الرسوم، وغياب السياسات الواضحة لتوزيع التكاليف على المنتفعين.رغم هذه الضغوط، يحتج السودان بانه لم يقم بتعديل رسوم العبور او زيادتها منذ عام 1990، على الرغم من الاستثمارات الضخمة في تطوير الأنظمة الملاحية، والردارات، وتدريب العاملين، وتحسين أجورهم. لذلك، لا بد من دراسة التكلفة الحقيقية قبل أي تخفيض جديد، وعدم المقارنة بدول تقل مدة عبور مجالها الجوي عن 15 دقيقة.
رابعًا: الحوافز غير المباشرة للخطوط الإثيوبية
باعتبارها المستخدم الأكبر للمجال الجوي السوداني، استفادت الخطوط الإثيوبية من عدة حوافز، أبرزها:
- توفير مسارات جوية مختصرة:
الطريق TU139: يوفر حوالي 10 دقائق لكل رحلة.
الطريق UT124: يوفر حوالي 8 دقائق لكل رحلة.
الطريق UB535: يوفر حوالي 25 دقيقة لكل رحلة.
وباحتساب المكاسب التشغيلية السنوية بمتوسط الحركة الجوية على هذه المسارات، فإن المكاسب المباشرة للخطوط الإثيوبية من الوقود، والصيانة، وساعات الطيارين، وتوفر الطائرات للرحلات الإضافية تُقدّر بـ 6 ملايين دولار سنويًا، أي نحو 42 مليون دولار خلال 7 سنوات.
وكان من الممكن الاستفادة من هذه الحجج للمطالبة بعدم منحها أي تخفيض، أو تخصيص مقابل لذلك لصالح دعم الناقل الوطني عبر تسهيلات صيانة أو تدريب.
خامسًا: الدفع بالعملة المحلية بدلًا عن الدولار
نظرًا لشح النقد الأجنبي، سُمح للخطوط الإثيوبية بدفع رسوم العبور بالجنيه السوداني وفقًا لسعر بنك السودان، وبافتراض أن صافي مبيعات الخطوط الإثيوبية في السودان يبلغ 10 ملايين دولار سنويًا، فإن الدولة فقدت، بفعل فارق سعر الصرف (حيث ان ساعر الصرف الموازي حينها تقريبا = ضعف ونصف الرسمي)، وهي أيضا مبالغ طائلة كان يمكن توظيفها.
سادسًا: إصلاح وان تأخر فقد كان خطوة ضرورية
في العام الماضي، وبمبادرة مطلوبة، وبمشاورة وزارة المالية واجازة مجلس الإدارة وموافقة الوزير المشرف تم تعديل لائحة الرسوم بصورة واضحة، حيث أُلغيت النشرات المشار إليها، بما يعني الغاء جميع التخفيضات السابقة. ومن هنا، نطرح الدعوة إلى:
إنشاء صندوق قومي سيادي من عوائد الإلغاء، بعد إعادة فتح المجال الجوي يشرف علي الآتي:
أولا: إنشاء شركة كبرى مملوكة لشركة المطارات للتزود. بالوقود بالمطارات السودانية
ثانيا :دعم الناقل الوطني للحصول على طائرات جديدة او ايجارها .
المساهمة في دعم التأمين للناقل الوطني وشركات الطيران الوطنية بعد ارتفاع اقساطه بصورة كبير بعد الحرب مما يعني المساهمة في تقليل أسعار التذاكر للمواطن السوداني وتعزيز التنافسية للناقل الوطني وشركاتنا الوطنية في سوق النقل الجوي الإقليمي. وتكون هذه العوائد من الاستثمارات نواة لبناء مطار الخرطوم في نهاية المطاف