تفاصيل مسارات الدعم من الإمارات إلى شرق ليبيا ثم تشاد والسودان

0

بقلم- محمد مصطفى- منذ أشهر طويلة، تتقاطع مسارات الطيران، وحركة الشحن الجوي، من الإمارات والتحركات اللوجستية عبر شرق إفريقيا وشمالها، لتكشف شبكة معقدة من الرحلات التي تتكرر بإصرار لافت.

 

وتثير أسئلة كبيرة حول الدور الإماراتي في استمرار تزويد قوات التمرد في السودان بقدرات جديدة بعد كل جولة استنزاف ورغم توقف الطيران العلني من نيالا أو ندرة الحركة في بعض المطارات التي كانت مسرحاً دائماً لعمليات النقل غير المعلنة، إلا أن الوقائع المتعاقبة تشير إلى أن خطوط الإمداد لم تتوقف، بل تغيّر مسارها فقط، وأعيد رسمها بطريقة أكثر تعقيداً وسرية.

 

في وقت سابق من الامس أقلعت طائرة شحن من طراز IL-76TD تابعة لشركة Fly Sky Airlines، برقم التسجيل EX-76003، من قاعدة الريف الجوية في أبوظبي. الوجهة المرجّحة بحسب مسارات الطيران ووتيرة الرحلات السابقة كانت مطار بوساسو في إقليم بونتلاند بالصومال، وهي نقطة أصبحت خلال الأشهر الأخيرة محطة لوجستية تُستخدم لإعادة توزيع الشحنات القادمة من الخليج قبل انتقالها إلى مسارات أخرى شرقاً أو غرباً. الرحلة ليست معزولة، بل تأتي ضمن سلسلة تحركات لطائرات الشركة نفسها، التي كانت في قلب عدة تقارير دولية حول أنشطة نقل غير معلنة بين الإمارات وشرق ليبيا.

 

بالتزامن، غادرت طائرة أخرى من الطراز ذاته – IL-76TD، برقم التسجيل EX-76022 – مطار العين متجهة نحو شرق ليبيا، على الأرجح إلى بنغازي أو الكفرة. هذه الطائرة تحديداً نفّذت قبل إقلاعها نحو ليبيا رحلة قصيرة من أبوظبي إلى العين، وهي نمط مكرر في عمليات إعادة التموضع التي تُستخدم عادة عند تجهيز شحنات خاصة أو تغيير مسارات التحميل بعيداً عن الرقابة المباشرة.

 

غير بعيد عن هذا المشهد، ظهرت طائرة جديدة في أسطول شركة New Way Cargo Airlines، وهي شركة وُصفت في عدة تقارير بأنها الأكثر غموضاً بين الشركات المرتبطة بعمليات النقل الجوي الإماراتية. الطائرة الجديدة – Il-76TD، وتحمل التسجيل EX-76028 – كانت سابقاً تابعة لشركة TAPOiCh الأوزبكية، وانضمت إلى الأسطول في 29 أكتوبر ثم غادرت بعدها بأيام نحو بيشكيك. هذه الخطوة تزامنت مع زيادة واضحة في النشاط الليلي للشركة، ومع انتقال بعض طائراتها بين مطارات صغيرة، وهو ما يعزز قناعة المراقبين بأن هذه الطائرة ستصبح جزءاً من دائرة العمليات الجوية التي يصفها خبراء الطيران العسكري بأنها(مفرطة الانضباط) وذات (طابع شبه عسكري) رغم تسجيلها المدني.

 

هذه الرحلات الثلاث ليست أحداثاً مشتتة، بل حلقات في سلسلة طويلة تعيد رسم خريطة الدعم اللوجستي. فبدلاً من خط واحد واضح يبدأ من مطارات الإمارات وينتهي في غرب السودان، تشير المعلومات المتراكمة إلى أن مسار الإمداد بات يمر عبر شرق ليبيا، ومنها إلى الجنوب الشرقي باتجاه الحدود الليبية–التشادية، ثم يتحرك برّاً داخل المناطق الصحراوية نحو شمال وغرب دارفور. هذا المسار، الذي يمتد عبر مساحات واسعة في الجنوب الليبي ثم شمال تشاد، يسمح بنقل معدات وشحنات لا يمكن تمريرها جواً بسهولة بعد زيادة الرقابة على الأجواء السودانية.

 

فكل من يظن أن توقف الطيران المتجه مباشرة إلى نيالا، أو تراجع حركة الجو في غرب السودان، مؤشر على توقف الدعم، فهو إما سطحي او لا يدرك طبيعة العمليات اللوجستية في النزاعات الحديثة، أو يتجاهل عمداً أن خطوط الإمداد لم تعد تعتمد على مطار واحد أو معبر واحد، بل على شبكة معقدة تبدأ من الامارات، تمر عبر ليبيا، وتعبر الحدود التشادية قبل الوصول إلى وجهتها داخل السودان. لقد انتهى زمن الشحنات المباشرة، وبدأ زمن (الدعم الشبكي) الذي يُدار عبر طبقات من الوسطاء والرحلات المتتابعة التي تبدو على الخرائط مدنية وعادية، لكنها في الواقع تحمل أثراً مباشراً على ميزان القوى داخل السودان.

 

هذا المشهد برمّته يكشف عن حقيقة أكبر الدعم لم يتوقف، بل أصبح أكثر تعقيداً وأشد تمويهاً، وتحوله نحو ليبيا وتشاد لا يعني إلا شيئاً واحداً أن الجهات التي كانت تدير الخط الجوي التقليدي نحو غرب السودان عادت لإدارة اللعبة من الاتجاه الآخر، وبأسلوب يُصعّب تعقّبه ويطيل أمد الصراع على نحو خطير.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.