مسعد بولس.. مستر (Big Broker)

0

كتبت- نسرين النمر- لم تُسعفني الذاكرة، وأنا أطالع هذا الخبر، بأكثر من مقولة جورج أورويل: “القاتل حين يتحدّث عن السلام.. ابحث فورًا عن ضحاياه”.

 

نجيكم في الأفراح.

“يتقدّم السيد مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالشكر لدولة الإمارات، معربًا عن امتنانه للقاء سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، وسمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن الوطني، والدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، خلال زيارة للإمارات في إطار العمل المشترك للدفع قدمًا بالسلام والمساعدات الإنسانية في السودان”.

 

مَن الرجل؟ ومن أين جاء؟

مسعد بولس أمريكي من أصول لبنانية، وُلد عام 1971.

درس القانون في جامعة هيوستن الأمريكية، ثم انتقل إلى نيجيريا ليلتحق بأعمال العائلة، وأصبح المدير التنفيذي لشركة SCOA النيجيرية المتخصصة في تجميع وبيع المركبات.

وفي عام 2022، تزوّج ابنه مايكل من تيفاني ترامب، الابنة الصغرى للرئيس المنتخب.

 

يقول ترامب عن مستشاره وصهره:

“إنه محامٍ بارع وزعيم يحظى بالاحترام في عالم الأعمال، صانع للصفقات، ومؤيد للسلام في الشرق الأوسط، ومدافع قوي عن مصالح الولايات المتحدة”.

 

ويضيف: “مسعد مناصر عتيد للقيم الجمهورية والمحافظة، وله دور فعّال في بناء تحالفات واسعة مع المجتمع العربي الأمريكي، كما يمتلك خبرة دولية واسعة”.

 

ورغم هذا المديح، فإني لم أجد في سيرة الرجل ما يؤهله للعب أي دور في قضية معقّدة بحجم الحرب السودانية.

 

الصفة الوحيدة التي يبدو أنه يعوّل عليها هي ما وصفه بها رئيسه: «محامٍ بارع وصانع للصفقات».

 

وقد وجد في الحرب السودانية فرصة سانحة يظفر منها بما يستطيع، مستغلا معرفته بطريقة تفكير ترامب ورغبته الدائمة في عقد صفقات مربحة.

 

يضع الرجل على طاولته تجربة رواندا والكونغو الديمقراطية، وخطة ترامب «المُذلّة» التي عُرضت على الأوكرانيين، وتقضي بمنح الولايات المتحدة نصف مواردهم الطبيعية مقابل الدعم المالي والعسكري.

 

ويبدو أنه تخيّل إمكانية عقد صفقة مشابهة في السودان، كـ«اتفاقية 99 عامًا» من النهب المنظّم، وهي (ما أشرت إليه سابقًا في «صفقة السودان المخجلة».) وإننا يمكن أن نكشف عنها كاملة ليستحى مسعد بولس هذا لكن خاب أمله، واقتربت فترة تكليفه من نهايتها دون أي اختراق حقيقي في الملف السوداني.

 

عندها لجأ إلى التذلّل لنظام أبوظبي الذي وجد فيه ضالته، فصار يردّد خطابًا إعلاميا مُضللًا، لا يصمد أمام الحقائق، ولا يستر عورات الراعي الأكبر للميليشيات وداعم الفوضى في المنطقة.

 

راح يلوّح بفزاعات (الإخوان المسلمين، العلاقة مع إيران، الجيش والكيزان) وكلها نغمات يرددها بقدر ما يجود عليه الكفيل الثري.

 

أمريكا ترامب تخطئ اليوم بتعاطيها مع السودان عبر وسيط إقليمي يزرع الفوضى ويموّل الميليشيات، أو عبر مستشارين يفتقرون إلى المعرفة الحقيقية بتعقيدات المنطقة، فالغاية عند هؤلاء ليست الحلّ، بل البقاء في اللعبة أطول وقت ممكن وحصد أكبر قدر من المكاسب.

 

التحرك السعودي وأسبابه

أصاب الارتباك نظام أبوظبي، وظهر رفضه الواضح للتحرك السعودي الأخير تجاه ملف السودان، خصوصًا بعد زيارة ولي العهد للولايات المتحدة وطلبه المباشر من ترامب التدخّل.. فالرسالة واضحة:

منهج مستشار ترامب لم يعد مجديًا، بل ربما صار ضرره أكبر من نفعه.

وتحرك ولي العهد جاء أيضًا نتيجة تصاعد تهديدات الجار «الطموح»، الذي بات يعبث بأمن المنطقة كلّها، وليس المملكة وحدها.

(وقد همس السعوديون للأمريكان بأنهم سيدركون قريبًا عبء هذا الحليف على أمن المنطقة، وأن كبح جماحه صار ضرورة.) وهنا مربط الفرس فقد تغيرت قواعد اللعبة وهم يعلمون ذلك.

 

لم تكتفِ الإمارات بخيانة السعودية في ملف اليمن، حين دعمت الانقسام وموّلت المجلس الانتقالي الجنوبي، ومهّدت لاحتلال الجزر والموانئ.

 

ولا يُعقل أن تتجرّع الرياض سمّ الجار نفسه مرتين، وهي تراه الآن يتواصل سرًّا مع الحوثيين لينجو من تهديداتهم ويُلقي العبء كله على «مملكة ابن سلمان»، بينما يعلن الحرب عليهم أمام واشنطن.

 

خطوة البرهان

أحسن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان حين رحّب بمبادرة ولي العهد، وعلى القيادة السودانية تطوير هذا التحرك ليكون مبادرة مكتملة للحل، لا تتجاوز الواقع الداخلي ولا تقفز على إرادة الشعب.

 

وعليه ألّا يلتفت إلى طلب مسعد بولس زيارة بورتسودان، فالرجل لا يملك ما يضيفه، وكل ما يسعى إليه هو البقاء لاعبًا في الملف بحثًا عن مكاسب شخصية.

 

إن أرادت أمريكا المساعدة، فلتعيّن من يملك المعرفة والحياد، لا من هو على شاكلة «مستر Big Broker».

 

أختم بقول الإمام علي، كرّم الله وجهه:

«مَن رَكِبَ مَرْكَبَ الصَّبْرِ اهْتَدَى إِلَى مَيْدَانِ النَّصْر».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.