الخرطوم.. بين تطهير السكن العشوائي والوجود الأجنبي

1

تحديات ما بعد الحرب في الخرطوم.. بين تطهير العاصمة من السكن العشوائي وضبط الوجود الأجنبي بتوجيهات رئيس مجلس السيادة

 

 

بقلم- خليفة جعفر علي- في خضم الضجيج الإعلامي الذي صاحب القرار الأخير الصادر عن رئيس مجلس السيادة الانتقالي بشأن ولاية الخرطوم، انشغل الكثيرون بجزئية “إخلاء العاصمة من القوات المقاتلة والكيانات المسلحة”، وأغفلوا عمداً أو غفلةً نصوصاً لا تقل أهمية، بل تمثل جوهر الرؤية نحو استعادة سيادة الدولة وهيبتها.

 

 

 

 

 

من بين تلك البنود، تبرز مسألتان مترابطتان في صلب الواقع الأمني والاجتماعي: إزالة مناطق السكن العشوائي دون استثناء، وضبط الوجود الأجنبي المخالف داخل ولاية الخرطوم، بل وفي سائر ولايات البلاد. هاتان القضيتان ليستا تفاصيل إدارية أو ملفات ثانوية، بل هما عمق الأزمة التي مهدت، وساهمت، في انفجار الفوضى وانهيار مظاهر الدولة.

 

 

 

 

أولاً: السكن العشوائي.. مراكز للفوضى وملاجئ للتفلت

 

لا يمكن الحديث عن أمن العاصمة دون مواجهة حاسمة مع السكن العشوائي، الذي تحوّل في سنوات ما قبل الحرب إلى أوكار للفقر المسلح، والتسلل غير المشروع، وملاجئ للهاربين من سلطة القانون. وقد أظهرت تطورات الحرب منذ لحظاتها الأولى أن فئة من قاطني هذه المناطق، في أطراف ووسط الخرطوم، انخرطوا في أعمال النهب والقتل والسطو والارتزاق إلى جانب مليشيا الدعم السريع، وبعضهم استمر في ممارساته الإجرامية بشكل منفصل.

 

 

وعليه، فإن إزالة كل مظاهر السكن العشوائي باتت ضرورة استراتيجية لاسترداد زمام العاصمة، وكبح جماح الانفلات الذي يستتر تحت غطاء الفقر والتهميش.

 

 

 

 

ثانياً: الوجود الأجنبي غير المنظم.. خطر صامت

 

أما الوجود الأجنبي، فقد خرج عن إطاره الطبيعي والإنساني، وتحول إلى ظاهرة مركّبة تجمع بين الخلل الأمني والتشوهات الاجتماعية. ومنذ سنوات ما قبل الحرب، تراكم الأجانب من دول الجوار، خاصة من إفريقيا الوسطى، جنوب السودان ،تشاد، إثيوبيا، والنيجر، في قلب الخرطوم، دون رقابة حقيقية، وسط غياب شبه تام لمؤسسات الضبط والهجرة. وكانت النتيجة أن أصبحت العاصمة مرتعًا للوافدين المخالفين، والمتسولين، والمشتبهين في أنشطة غير قانونية.

 

 

 

 

وقد كشفت الحرب الأخيرة عن الوجه الأخطر لهذا الوجود، حيث انضم عدد كبير من الأجانب المخالفين إلى صفوف مليشيا الدعم السريع، وشاركوا بشكل مباشر في العمليات القتالية داخل الخرطوم، خاصة في أعمال النهب المنظم لمنازل المواطنين، والمتاجر، والمرافق العامة. وأشارت شهادات عديدة إلى تورط عناصر أجنبية في جرائم عنف وسلب وسط الأحياء السكنية، بما في ذلك الاعتداء على المدنيين، الأمر الذي يُعد تهديدًا مباشرًا للأمن القومي والسيادة الوطنية.

 

 

 

 

ومن أبرز المظاهر التي أضحت مقلقة كذلك ظاهرة التسوّل العلني عند إشارات المرور والأسواق، حيث تمتلئ الشوارع بالأجانب المتسولين، في مشهد لا يليق بعاصمة يُفترض أن تكون واجهة الدولة ورمز سيادتها. وقد تفاقم الأمر بعد اندلاع الحرب، فامتدت هذه الظواهر السالبة إلى ولايات أخرى أكثر استقرارًا، مما يتطلب تفعيل دور الأجهزة الأمنية في الولايات كافة، عبر حملات تفتيش وتدقيق لوضع الأجانب، وترحيل كل من يثبت مخالفته للقوانين المنظمة للإقامة والعمل.

 

 

 

 

والأدهى، أن هذا الواقع يحدث في وقت يواجه فيه المواطن السوداني، لاجئًا أو نازحًا، صعوبات جمة في دول الجوار، ويتعرض لمعاملة دونية تفتقر لأبسط معايير الكرامة، وهو أمر يستدعي موقفًا وطنيًا حازمًا يرد الاعتبار للسيادة السودانية.

 

 

 

 

الرسالة للدولة: آن أوان الحسم

 

لقد آن الأوان للانتقال من حالة التراخي إلى مرحلة الفعل الحاسم والمنضبط. فالسماح باستمرار هذه الفوضى سواء في السكن أو في الوجود الأجنبي  ليس مجرد تغافل، بل تفريط في أمن المجتمع وسيادة الدولة. واستنزاف الموارد على الجهات المختصة، من الأمن العام، إلى شرطة الجوازات، إلى لجان الأحياء، أن تتحرك بصورة شاملة لضبط هذه الملفات، والبدء في حملات قانونية منظمة في كل ولاية، وليس فقط في الخرطوم.

 

 

 

 

إن استعادة هيبة الدولة لا تتحقق بالشعارات، بل بقرارات تُنفّذ على الأرض، ورؤية تُطبّق بحزم دون انتقاء أو مجاملة. وكل من يعبث بأمن الوطن أياً كانت جنسيته أو غطاءه لا بد أن يجد أمامه مؤسسات قوية تعلي من شأن السيادة وتضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار

تعليق 1
  1. أسامه مبارك نورالدائم صالح الكرنكي يقول

    منشور موفق. جاء مرتب ومنظم يثير غيرة اي مواطن وطني فالسكن العشوائي لايسمح به في قرية صغيرة بالجزيرة فما بالك بعاصمه البلاد وكما كتب كاتب المنشور من المفترض أن تكون العاصمه الوجه المشرق للبلاد لا وجه قبيح كدوله ليس لها سيادة وطنيه أو كرامه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.