متابعات- الزاوية نت- قال جعفر الميرغني رئيس الكتلة الديمقراطية نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، إن هناك مجموعةً من الأخطاءِ ساهمت في إفشالِ الانتقالِ الديمقراطيِّ الذي ينشدهُ الشعبُ السوداني.
وأشار إلى أن هذه الأخطاء أوّلُها انشغالُ البعضِ بالخطابِ العدائيِّ الذي تجاوزَ إدانةَ حكمِ الرئيسِ السابقِ والحزبِ الحاكم إلى تخوينِ طيفٍ كبيرٍ من الفاعلينَ السياسيين في سباقٍ متفهّمٍ للمزايدةِ على النضالات وتمّ سجنُ تفكيرِ الناسِ في لحظةٍ سياسيةٍ لا تتجاوزُ الأشهرَ الثلاثة وما لبثتْ هذه اللحظةُ نفسُها أن انقسمتْ على نفسِها ما سبّب تصدّعًا في الجبهاتِ السياسيةِ المدنيةِ المؤقتة.
نص خطاب جعفر الميرغني
خطاب السيد جعفر الصادق الميرغني
رئيس الكتلة الديمقراطية
نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل
رئيس المكتب التنفيذي
في ذكرى الاستقلال المجيدة- وذكرى ثورة ديسمبر- وإعلان الاستقلال من داخل البرلمان
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه الإعانة بدءًا وختماً، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ ذاتًا ووصفًا واسما
قال الله تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾
صدق الله العظيم
إلى جماهير الشعب السوداني البطل
وإلى الإخوة قادةِ العملِ الوطنيِّ في بلادنا
وإلى شيوخِ الطُّرقِ الصُّوفية، وزُعماءِ القبائل
وإلى الأشقاءِ في الكتلةِ الديمقراطية
وإلى الأشقاءِ في الحزبِ الاتحاديِّ الديمقراطيِّ
السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته،،،
أخاطبُكم اليومَ في مرحلةٍ تاريخيةٍ تعلمونها وتعرفونها وأنتَهِزُ ثلاثَ مناسباتٍ وطنيّةٍ خالصةٍ أودُّ عبرها أن أتقدّمَ لكم بالتهنئةِ الصادقةِ واستلهامِ الدروس.
أولًا: إعلانُ الاستقلالِ من داخلِ البرلمانِ في مشهدٍ وطنيٍّ عكسَ الوعيَ السياسيَّ بالوحدةِ الجغرافيَّةِ وترابطَ أبناءِ الوطنِ واتفاقَهم في لحظاتِ التاريخِ الكبرى وهو مشهدٌ حَرِيٌّ بأن نستعيدَه اليومَ ونستلهمَه وأن نعلنَ اتفاقَنا على الوطنِ ونبذَنا لكلِّ فرقةٍ وتخندُقَنا جميعًا وراءَ مؤسساتِ الدولةِ للحفاظِ على هذا الاستقلالِ العظيم والتحيّةُ هنا لكلِّ قادةِ الاستقلال.
ثانيًا: في البابِ نفسهِ أتقدَّمُ بالتهاني للشعبِ السودانيِّ ولأحزابِنا الوطنيّةِ بمناسبةِ اقترابِ عيدِ الاستقلالِ المجيدِ الذي تحقَّق بعدَ نضالٍ كبيرٍ انتهى بمشهدٍ رفعَ فيهِ الزعيمُ الشهيدُ الرئيسُ إسماعيلُ الأزهريُّ العلمَ خفّاقًا على ساريةِ القصرِ الجمهوريِّ الشامخِ في مشهدٍ وطنيٍّ لا ننساهُ مُعلنًا استعادةَ بلادِنا لسيادتِها وانطلاقَ دولتِها الحرّةِ الأبيّةِ ونموذجِها الإنسانيّ وهي مناسبةٌ عزيزةٌ نتذكَّرها بالاحتفاءِ بالآباءِ المؤسسين وبنموذجِ الدولةِ الذي انطلقَ في العامِ 1956 ومرَّ بتحدياتٍ كبيرة: أوَّلُها اندلاعُ حربِ الجنوبِ وضعفُ عضلةِ القلبِ للدولةِ وما تسبَّبَت فيه الانقلاباتُ الأيديولوجيةُ المدعومةُ من الأحزابِ الراديكاليةِ وآخرُها تحدي انقلابِ الجبهةِ القوميةِ الإسلاميةِ الذي تسبَّب في وقفِ اتفاقِ السلامِ العظيمِ الذي وقَّعَه الوالد مولانا السيد محمد عثمان الميرغني والعقيدُ الراحل جون قرنق وانتهى الانقلابُ إلى نتيجةِ انفصالِ الجنوبِ أولًا ثم تمزّقِ الحكومات واندلاعِ الحروبِ ثانيًّا، وإذ نستعيدُ اللحظةَ التاريخيةَ القديمةَ ونربطُها بالأخطاءِ فيجب علينا استعادةُ المبادرةِ للبناء على القديم برفضِ الانقلاباتِ جملةً والتعويلِ على الاتفاقاتِ العامةِ واستعادةِ عقلِ الدولةِ ومؤسساتِ التشريعِ الرسميةِ وحثِّ مجلسِ السيادةِ على مباشرةِ الإصلاحاتِ القانونيةِ والدستوريةِ اللازمة لاستئناف الحالةِ الطبيعيةِ لمؤسساتِ الدولةِ بمحكمتِها الدستوريةِ وجهاتِها العدليةِ وكلِّ ما يمكن أن يُعيدَنا إلى البرلمانِ الوطنيِّ المنتخب ليعودَ الصوتُ الوطنيُّ المعارضُ والحاكمُ إلى الميدانِ السياسيِّ الحقيقي.
وكنتُ قد قلتُ قبلَ عشرةِ سنواتٍ إنّ أخطاءَنا كسياسيين تسبَّبَت في تزهيدِ الشبابِ في العمليةِ السياسيةِ وهذا التزهيدُ ليس في صالحِ أحدٍ من الفاعلينَ السياسيين بل نتيجتُه انسدادُ القنواتِ السياسيةِ وانفجارُ الثوراتِ التي يستغلُّها الأعداء ويؤثّرون بها على الأمنِ الوطنيِّ والأمنِ القوميِّ وينالون من خيراتِ ومقدّراتِ الوطن واليوم نحتاج أن نعترف أنّ هذا ما لم نوفّق في تداركه وعلينا مسؤوليةٌ وطنيةٌ حقيقيةٌ أن نعالجه: باستعادةِ حيويةِ العمليةِ السياسيةِ واستعادةِ وطنيتِها وربطها بمصالحِ المجموعاتِ الوطنيةِ التي تُشكّل وحدتُها وحدةً لترابِ هذا الوطن وخدمةً لمصالحِه.
أما المناسبةُ الثالثةُ: فهي مناسبةُ مرورِ خمسِ سنواتٍ على ثورةِ 19 ديسمبر 2018 التي انتهت بإعلانِ عوضِ ابنعوف لبيانِ استلامِ الحكم ثم تنحيهِ لصالحِ السيد الرئيس عبدالفتاح البرهان وقد كانت الثورةُ تراكميةً ونتيجةً لفشلِ مجموعةِ أنظمةٍ في خلقِ الحلولِ فقد فشلَ نظامُ الجبهةِ القوميةِ الإسلاميةِ وفشلت اتفاقيةُ نيفاشا في تحقيقِ وحدةِ السودان وفشل المؤتمرُ الوطنيُّ في نقلِ تجربةِ الحكمِ إلى الأفقِ الوطنيِّ الكامل وفشل الرئيسُ البشيرُ في تحقيقِ انتقالٍ اجتماعيٍّ وسياسيٍّ سلسٍ لا يُورّطُ المنظومةَ الأمنية
فدخل الوطنُ وحركاتُه الوطنيةُ القويةُ في تحدي صناعةِ المستقبل عبر طموحاتِ الشبابِ الوطنيِّ الصادق وتحقيقِ الانتقالِ الديمقراطي.
ولكنّ مجموعةً من الأخطاءِ ساهمت في إفشالِ الانتقالِ الديمقراطيِّ الذي ينشدهُ الشعبُ.
أوّلُها انشغالُ البعضِ بالخطابِ العدائيِّ الذي تجاوزَ إدانةَ حكمِ الرئيسِ السابقِ والحزبِ الحاكم إلى تخوينِ طيفٍ كبيرٍ من الفاعلينَ السياسيين.
في سباقٍ متفهّمٍ للمزايدةِ على النضالات وتمّ سجنُ تفكيرِ الناسِ في لحظةٍ سياسيةٍ لا تتجاوزُ الأشهرَ الثلاثة وما لبثتْ هذه اللحظةُ نفسُها أن انقسمتْ على نفسِها ما سبّب تصدّعًا في الجبهاتِ السياسيةِ المدنيةِ المؤقتة.
كنا في الحزبِ الاتحاديِّ الديمقراطيِّ الأصل قد نصحنا بأن تكونَ الهيئةُ الانتقاليةُ مستقلّةً حتى يكونَ النقاشُ السياسيُّ مرتبطًا بالمستقبلِ والانتخابات ولا يتحوّلُ إلى وقودٍ لمعاركٍ لحظيّةٍ وحتى لا يكونَ للسلطةِ الانتقاليّةِ خصوم ولكنّ الواقعَ السياسيَّ فرضَ تكتلاتٍ عدوانيةً متعدّدةً وصار كلُّ طرفٍ منها يحاولُ أن يجِدَ لنفسِه سلاحًا.
ظلِلنا ومعنا طيفٌ كبيرٌ من السياسيينَ الوطنيين نحذّرُ من الاستقطابِ السياسيِّ الحادِّ والعدائيةِ المفرطةِ وندعو للتسامحِ ونُحددُ أنّ الإدانةَ والتخوينَ لا تقلُّ خطرًا عن التكفير وأنّها كلّها تُهمٌ يجب أن يحكمَ فيها القضاءُ العادلُ ولا تصبحَ كالسمِّ في الجوِّ السياسيّ.
لقد تمّ إقصاءُ جزءٍ كبيرٍ من السودانيين لا من المؤتمرِ الوطنيِّ الذي جمّدَ نشاطَهُ حينها بل آخرين من الأحزابِ الوطنيّةِ والليبرالية وتمّ تقييدُ نشاطِهم كان هذا خطأً كبيرًا كانت التوازناتُ السياسيةُ في البلاد تؤدّي إلى تقسيمِ الأحزابِ الوطنية وصنعِ عملتين من كلِّ حزبٍ وكيانٍ وسادَت الانشطاريّةُ والأخلاقُ السياسيةُ غيرُ الراشدةِ على اتجاهاتٍ كثيرةٍ في بلادِنا يومها بسبب سوءِ تقديرِ فرصةِ التحوّل وفرصةِ صناعةِ المستقبل وقد سجنَ الناسُ أنفسَهم في لحظةٍ عابرة.
ذلك لم يكن راشدًا وكان خطأً اشتركنا فيه جميعًا ووقعتْ فيه المؤسسات لقد كان الحلُّ الوحيدُ هو الحوارُ الواعيُ الذي لا يستثني إلا من استثناهُ القانونُ ولا يعلو فيه سوى صوتِ العقلِ ولا يُمليه أحدٌ خارجَ السودان لم نستفد من تجربةِ فرضِ الحوارِ وتمّ فرضُ مخرجاتٍ للحوارِ الوطنيِّ وتمّ رسمُها واعتمادُها.
وبلغ منتهى السخفِ واللؤمِ أن يأتي زمانٌ يتمُّ فيه فرضُ رؤيةٍ على الأحزابِ الوطنيةِ دون مشاورتِها ويتمُّ جلبُها للتوقيعِ عليها يومها رفضنا الإملاءاتِ والإغراءاتِ وقلنا بصوتٍ واحدٍ: إنّ السيادةَ الوطنيةَ تعرّضت للخطر وأنّ المبعوثينَ الدوليينَ والميسِّرين والبعثاتِ الخارجيةَ تجاوزتْ دورَها وتسبَّبتْ في الإضرارِ باستقلالِ السودان.
وتجمّعنا في الكتلةِ الديمقراطيةِ وتجمّع آخرونَ في تكتلاتٍ وطنيةٍ وتبنّينا لاءاتِ الخرطومِ الجديدة: لا مساومةَ على السيادةِ الوطنية لا شرعيةَ لأحزابٍ بغيرِ انتخاباتٍ حرّةٍ ونزيهة ولا للإقصاءِ حتى ولو جاء عبر اتفاقاتٍ ثنائيةٍ ولكنّ التهوّرَ الكبيرَ أدَّى إلى الدخولِ في الترتيباتِ العسكريةِ والعملِ بالفتنةِ بين القواتِ المسلحةِ ما أدّى إلى تمرّدِ الدعمِ السريعِ على الدولةِ السودانية ودخوله في مغامرةٍ مدانةٍ مارس فيها أبشعَ الانتهاكاتِ على المواطنينَ العُزَّلِ ودمَّر مقدّراتِ الدولة
بسببِ تصوّراتٍ خاطئةٍ وحساباتٍ إقليميةٍ غير دقيقةٍ وتحريضٍ سياسيٍّ غير رشيد كنَّا أوّل حزبٍ وطنيٍّ انحاز للجيشِ السودانيِّ وكنّا ولا زلنا أوّل حزبٍ سودانيٍّ عرّف الحربَ بتمرّدِ الدعمِ السريعِ على الدولةِ السودانية.
وقلنا إنّ الأخَ رئيسَ مجلسِ السيادةِ الانتقاليِّ يمثّلُ الدولةَ ويقودُ الجيشَ الوطنيَّ السودانيَّ.
وأعلن مولانا السيد محمد عثمان الميرغني رئيسُ الحزبِ الاتحاديِّ الديمقراطيِّ الأصل ومرشدُ الختميةِ مبادراتِه الوطنيةَ الواحدةَ تلوَ الأخرى لجمعِ صفّ كلمةِ الشعبِ السودانيِّ والسعيِ لتوحيدِ قواه الوطنيةِ واستعادةِ السلام وأعلنت الكتلةُ الديمقراطيةُ من أوّلِ ساعةٍ موقفَها الحاسمَ مع الدولةِ ومضت كلُّ مكوّناتِها من الحيادِ الإيجابيِّ إلى الانحيازِ القتاليِّ الذي بان في ميادينِ المعركةِ نصرةً للمواطنينَ والدولةِ ومؤسساتِها.
وفي الأيامِ الأولى للحرب تقدّمت إلى المؤسساتِ الدوليةِ بطلباتِ اجتماعٍ باسمِ القوى السياسيةِ وخاطبت الجامعةَ العربيّةَ مراتٍ وجلستُ إلى الأمينِ العام مؤكدًا على شرعيّةِ الدولةِ السودانيةِ وأنّ العبثَ بها ليس بيد أحدٍ.
ولسنا نسعى لحصادِ إنجازاتٍ ولا لتحقيقِ مرافعاتٍ عن مواقفِنا الوطنيةِ التي يعرفُها الرجالُ ولكنّا نشير إلى أهميةِ السعيِ للتواصلِ مع المجتمعِ الدوليِّ لتأكيدِ كيانِ دولتِنا والحفاظِ على استقلالِنا وصيانةِ طموحاتِ الشباب.
وهذا عمل قمت به بتوجيه مباشر من مولانا السيد وترتيب طويل مع الحلفاء في الكتلة الديمقراطية.
الحضورُ الكريم
لقد قضت الحربُ على مدّخراتِ السودانيين وألجأتهم إلى خارجِ بيوتهم وهنا حسرةٌ لقد تمَّ احتلالُ بيوتِ السودانيين من قِبلِ الدعمِ السريعِ وهنا حسرةٌ لقد خلقت الحربُ فتنةً أهليةً وصار في كلِّ السودانيين غضبٌ وحسرةٌ لقد حاول العدوّ كسرَ نفوسِنا حاول إذلالَنا حاول تهجيرَنا حاول كسرَنا لقد حاول العدوّ أن يُحطّمَ تاريخَنا وذكرياتِنا في البيوتِ وحاول أن ينالَ من شرفِنا لقد غرّر العدوّ بحفنةٍ صغيرةٍ من الأطفالِ وتآمر معه بعضُ المارقينَ واليائسين لقد راهن العدوّ على هزيمتِنا وأنّ تناقضاتِنا ستُبعدُنا من الوحدةِ.
ولكنّ: لهذه البلادِ سيفٌ ودرعٌ وسيفُها هو الجيشُ السودانيُّ فخرُ أفريقيا وأسودُ الغابِ وحامي الحِمى وهذا الجيشُ جيشُنا نحنُ.
ونحنُ وقودُه ورجالُه وأبناؤُه وإنّا نحنُ درعُه القوي نحنُ السياسيون نحنُ الصوفية نحنُ أبناءُ الجغرافيا الواسعة.
جيشُنا يدركُ أنّه السيفُ وأنّنا درعُه فلقد شرَّفتُ بزيارةِ الصفوفِ الأماميةِ ومساندتِهم والسماعِ لهم
وليس في ذلك مَنَّةٌ ولكنَّ فيهِ فخرٌ أن تشاركتُ معهم وقد ذكرني الرجالُ الأوفياءُ في ساحاتِ الوغى غيرَ مرّةٍ أنّ موقفي هذا هو موقفُ الحزبِ التاريخيِّ ولكم تأثّرتُ حينما حكى لي البعضُ عن “الكرمك وقيسان” وتحركاتِ مولانا السيد محمد عثمان الميرغني مرشدِ الختميةِ ورئيسِ الحزبِ الاتحاديِّ الديمقراطيِّ الأصل ووفودِه التي قادَها آنذاك السيدُ علي الميرغني حفظه الله
فجاءت بالسلاحِ والعتادِ لجيشِنا القويِّ.
الحضورُ الكريم
تأتي هذه الذكرياتُ ومؤشّراتُ سحقِ المليشيا تلوحُ في الأفقِ والانتصاراتُ المكلّفةُ والباهظةُ التي حقّقها جيشُنا ومن ساندهُ تصبحُ أقربَ وأكثرَ وضوحًا ويبقى السؤالُ هنا: كيف سنستثمرُ هذا الانتصار؟
كيف سنتحضّرُ لسؤالِ اليومِ التالي في الخرطوم؟ هل سيحاولُ البعضُ مرّةً أخرى إقصاءَ الآخرين ومزاحمةَ الجيشِ والدولةِ باسمِ المدنيينَ والثوارِ والمقاومينَ والمناضلينَ وغيرها؟ أم سننفتحُ نحوَ سؤالِ البناءِ وسؤالِ المواطنةِ وقبلَ هذا كلِّه الوطنيةِ الراشدة؟ هذا السؤالُ يجبُ أن يكونَ واضحًا وقد كان واضحًا علينا إذًا أن نُحضِّرَ أنفسَنا للعودةِ إلى الوطن وفي يدِنا مذكرةٌ للمستقبل
مذكرةٌ رأسُ مالِها: أنَّ الوطنَ لا بديلَ له وأنَّ مهرَ بيوتِنا هو أن نعملَ على الحفاظِ على الأمنِ الذاتي والأمنِ في المدن والأمنِ السياسي بضمانِ استقرارِ القرارِ السياسيِّ في أيدي الأحزابِ الوطنيةِ الكبيرة.
وأن نفهمَ أنَّ فرصةَ تشجيعِ الشبابِ والشاباتِ على المشاركةِ في الانخراطِ في الأحزابِ السياسيةِ الوطنية بل وقيادتِها يجبُ أن تكونَ فرضَ عينٍ وليس مجردَ رأي فهذا الوطنُ الذي استطاعَ السيدُ علي الميرغني والسيدُ عبدالرحمن المهدي والشريفُ الهندي والرئيسُ الأزهري والمحجوب وغيرُهم أن يقدّموا له طفرةَ الاستقلال.
قدّموه بمشاركةِ الجميعِ من المثقفينَ والتجارِ والوسط واليومَ استعادةُ تجربتِهم تؤدّي إلى أنَّ أخطاءَ الديمقراطيةِ تُعالجُ بمزيدٍ من الديمقراطية وأنَّ أخطاءَ الأحزابِ تُعالجُ بكثيرٍ من الممارسةِ الراشدةِ التي يجبُ أن تتسعَ لتشملَ مصالحَ الجميع.
والآن وعبر هذه المناسبة لدينا رسائل رئيسة؛ نعتقد أهميتها:
1- العمل على تأمين النصر؛ بالحوار، والترتيب لما بعد الحرب: فإنَّ أولويتَنا في هذه المرحلةِ هي العملُ الجادُّ لتتويج النصر وإنهاءِ الحربِ ووقفِ نزيفِ الدماءِ السودانيةِ التي أنهكت الوطن وأثّرت على حياةِ المواطنين. بالدعوةُ لحوارٍ سودانيٍّ-سودانيٍّ لا يُقصي أحداً: نحن نجددُ التأكيدَ على ضرورةِ الجلوسِ إلى مائدةِ حوارٍ سودانيٍّ-سودانيٍّ لا يُقصي أحداً، بهدفِ التوافقِ على حلولٍ حقيقيةٍ تحفظُ وحدةَ السودانِ واستقرارهُ.
2- تفعيل مبادرة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني بإذن مولانا السيد محمد عثمان الميرغني نُعلن دعوتَنا إلى إطلاقِ حوارٍ وطنيٍّ شاملٍ داخل السودان، وقد طلبنا باسم سيادته؛ ضماناتٍ من القائد العام للقوات المسلحة رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، لضمانِ أمانِ المشاركين وتهيئةِ الأجواءِ للحوارِ البناء. ونثق في حكمته وفضله.
3- التأكيد على أنّ مصلحةُ السودانِ فوقَ كلِّ اعتبار فإنَّ السودانَ اليوم “يكونُ أو لا يكون”، ومصلحةُ الوطنِ فوقَ كلِّ اعتبار. إننا نعملُ من أجلِ الحفاظِ على دولةٍ سودانيةٍ مستقلّةٍ لا يخضعُ قرارُها للتدخلاتِ الأجنبية، وهو الهدفُ الأسمى الذي لا ينبغي التفريطُ فيه.
4- علينا التأكيد على أن السودان قبلَ المناصبِ السياسية لقد علمتنا الحربُ دروساً عظيمةً؛ أهمُّها أنَّ السودانَ يجب أن يسبقَ كلَّ اعتبارٍ سياسيٍّ أو شخصيٍّ. كما يُرددُ مولانا السيد محمد عثمان الميرغني دائمًا: “السودانُ قبلَ المناصبِ السياسيةِ والحكومية، ولا بقاءَ لوطنٍ بغيرِ وحدةِ أبنائهِ وتضحياتِهم”.
5- لا مناص من أجل المصالحة والعدالة أن نقول اليوم: لا مكانَ للدعمِ السريع في المستقبل السياسي لبلادنا ولا العسكري نؤكدُ بوضوحٍ أنَّه لا مكانَ في السودان لتشكيلاتٍ عسكريةٍ خارجَ إطارِ القوات المسلحة السودانية، التي تمثلُ سيفَ الوطنِ ودرعَهُ ويجب نزع السلاح من الجميع عدا الجيش السوداني الدولة يجب أن يكون السلاح محتكرًا لها فقط.
6- نجدد الوقوفُ مع القواتِ المسلحةِ في معركة الكرامة، بلا حدود: ونُجددُ دعمنا الكامل للقوات المسلحة السودانية لأداء واجباتها الدستورية؛ بلا حدودٍ أو شروط، فهي حاميةُ الأرضِ والعرضِ والضمانةُ الوحيدةُ لأمنِ الوطنِ ووحدتهِ.
7- دعوةٌ لنبذِ خطابِ الكراهية نُطالبُ الجميعَ بنبذِ خطابِ الكراهيةِ والعملِ على تعزيزِ روحِ التسامحِ والمصالحةِ الوطنيةِ، حفاظًا على النسيجِ الاجتماعيِّ الذي يُعدُّ الأساسَ المتينَ لبناءِ مستقبلٍ أفضل.
الحضورُ الكريم
لقد حرصنا خلال الفترةِ الماضيةِ على توجيهِ العملِ الوطنيِّ نحو مسارٍ أكثرَ تماسكًا ووضوحًا، بعيدًا عن الاستقطابِ والتنازعِ، إدراكًا لخطورةِ المرحلةِ التي يمرُّ بها السودانُ. عملنا بلا كللٍ على تعزيزِ مكانةِ السودانِ إقليميًّا ودوليًّا، حيث سعينا في لقاءاتِنا مع قادةِ دولِ المنطقةِ والعالمِ إلى إيصالِ صوتِ السودانِ الوطنيِّ، وتأكيدِ حرصِنا على استقلالِ قرارِهِ السياسيِّ، بعيدًا عن التدخلاتِ التي لا تخدمُ مصالحَهُ العُليا.
وفي الداخلِ، بذلنا جهدًا كبيرًا للحفاظِ على وحدةِ الكتلةِ الديمقراطيةِ كإطارٍ جامعٍ، ومظلةٍ للعملِ الوطنيِّ الهادفِ إلى إنهاءِ الحربِ، وفتحِ آفاقٍ حقيقيةٍ للحوارِ السودانيِّ-السودانيِّ الشاملِ، الذي لا يُقصي أحدًا. لم نتوانَ عن تقديمِ الدعمِ الكاملِ للقواتِ المسلحةِ السودانيةِ، باعتبارِها درعَ الوطنِ وسيفَهُ، وفي الوقتِ ذاتهِ سعينا عبرَ مبادراتِنا الوطنيةِ والإنسانيةِ إلى التخفيفِ من معاناةِ المواطنينَ المتضررينَ، مؤكدينَ أنَّ السودانَ يجبُ أن يكونَ أولًا وفوقَ كلِّ اعتبار..
إنَّ هذه الجهودَ، التي اعتمدتْ على الحوارِ والاعتدالِ، قد أعادتِ التوازنَ للخطابِ السياسيِّ، وفتحتْ آفاقَ المصالحةِ الوطنيةِ التي نحتاجُها اليومَ أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى. ولأنَّنا نؤمنُ بأنَّ أخطاءَ الماضي يجبُ أن تُعالَجَ بالمزيدِ من الممارسةِ الراشدةِ، ندعو مجدَّدًا إلى استعادةِ الحيويّةِ للعمليةِ السياسيةِ، والانخراطِ في مشروعٍ وطنيٍّ كبيرٍ يُعيدُ للسودانِ مكانتَهُ، ويحقّقُ تطلعاتِ أبنائهِ في الأمنِ والاستقرارِ والازدهارِ.
الحضورُ الكريم
نقطةٌ أخيرةٌ يجبُ أن ننوّهَ لها وهي المسألةُ الوطنية نحتاجُ لشبابٍ ونحتاجُ لرجالٍ ونحتاجُ أن نُذكّرَ أنفسَنا ونُذكّرَ الجميعأن يجعلوا السودانَ هو القصدَ والغايةَ من التحركاتِ السياسية وأن نتعظَ من أنفسِنا هذه المرّة وأن نكرّرَ للجميع من الأصدقاءِ قبلَ الأعداءِ: ارفعوا أيديَكم عن التدخّلِ في الشأنِ السياسيِّ السوداني ففي هذه السنةِ الماضيةِ التقيتُ بالرئيسِ البرهان وبقادةِ الدولةِ وبرؤساءِ ومسؤولي دولٍ مثل: الرئيسِ عبدالفتاح السيسي رئيسِ جمهوريةِ مصرَ الشقيقة والرئيسِ سلفاكير رئيسِ جمهوريةِ جنوبِ السودان الشقيقة والرئيسِ يوري موسيفيني رئيسِ جمهوريةِ أوغندا الشقيقة والرئيسِ أسياس أفورقي رئيسِ دولةِ إريتريا الشقيقة وقادةِ دولِ فرنسا وأميركا وبريطانيا وسويسرا وقادةِ دولِ الخليجِ الأشقاء وكانت كلُّ لقاءاتي معهم مبنيةً على الحديثِ عن المستقبل وأنَّ السودانَ يحتاجُ أصدقاءَ لا يملونَ عليه أمرًا فنحنُ خِزانُ الحكمة ومعدنُ الرأي ونستطيعُ تنظيمَ أمورِنا السياسية ما نحتاجُه هو أن يُتاحَ لبلادِنا الفرصةُ في الشراكاتِ الاقتصاديةِ غيرِ الضارة وأن لا يتمَّ استعداؤُها
الحضورُ الكريم
ختامًا، نؤكدُ التزامَنا الوطنيَّ بالسعي لتحقيقِ السلامِ العادلِ والشاملِ والعملِ مع كافةِ القوى الوطنيةِ المخلصة لتحقيقِ مستقبلٍ واعدٍ يليقُ بتضحياتِ شعبنا العظيم.
أختِمُ هذه الكلمةَ الطويلةَ بالدعاءِ الصادقِ للهِ عزَّ وجلَّ أن يحفظَ بلادَنا السودان وأهلَها وأن يوحّدَ كلمتَنا ويحقّقَ أمانينا في وطنٍ مستقرٍّ حرٍّ تسودُ فيه العدالةُ والكرامة.
والله الموفق وهو المستعان،،،