يوسف عبدالمنان يكتب.. من الخاسر من إيقاق صادر الإنتاج إلى مصر

0

1

عندما وقفت النخب والمثقفون وقطاع عريض من الناس في غرب السودان مناهضين لمشروع الدعم السريع، لأن توجهه بلا هوية واضحة، وبلا برنامج، ويتحور مابين دولة العطاوة إلى الحرب على دولة 56، ثم حرب الكيزان، واخيراُ الحرب ضد مصر اقتصادياً، والتلويح بالحرب بالوكالة عن إثيوبيا أو آخرين مستترين، ولكن مصر أكثر فطنة وهي تقول بعبارة بلغية (القاهرة ستبحث من وراء زعم قائد المليشيا حميدتي).

 

 

في هذا المناخ استعرت الحرب ضد المليشيا في مقرن النيلين وتوتي وجبل مون بغرب دارفور، وفي المناقل ومحور الفاو، ويستعد متحرك الصياد لمعركة فاصلة لتحرير كردفان أو وقوعها في أحضان المليشيا للأبد، في هذا الوقت أصدرت المليشيا قرارات قالت إنها اقتصادية، بموجبها أعادت سبعمائة شاحنة محملة بالصادرات في طريقها من دارفور إلى الدبة في الولاية الشمالية، والي ام درمان. الشاحنات إلى تمت إعادتها لأسواق دارفور وكردفان، شملت الماشية من الضأن والابل والماعز وحب البطيخ والفول والسمسم والامباز والكركدي والصمغ العربي وتلك هي المنتجات النقدية لصغار المنتجين في رقعة واسعة في غرب السودان، حيث حواضن الجنجويد الاجتماعية، وهؤلاء يلزم الدعم السريع الحفاظ على مصالحهم، لا الأضرار بهم بقرار عشوائي!!، وشن الحرب ضدهم بزعم محاربة دولة الجلابة، ودولة مصر !! إن مثل هذا القرار يفتقر لابجديات علم الاقتصاد ومنطق السوق. ومن مخازي عهد حمدوك أنه أبقي محمد حمدان دقلو رئيساً للجنة العليا للاقتصاد !! وتحته الخبير الاقتصادي الأممي الذي جيئ به لينقذ الاقتصاد القومي.

 

 

2

بقراءة بسيطة لمن له إلمام بالحد الأدنى من علم الاقتصاد، نقول إن قرار المليشيا بوقف الصادرات دليل على التخبط العشوائي وقلة التجربة، وعدم المعرفة، ودليل على التوهان في منتصف الطريق، وفقدان القدرة على التصرف السليم،  لأن حركة الاقتصاد والتجارة تنهض على أساس العرض والطلب والبيع والشراء، فلاقتصاد هو الإنتاج والتبادل السلعي، وحينما تصدر قرار وتقول إن هذه السلعة لا تذهب للأسواق، فأنت كسرت الدائرة الاقتصادية، وأوقفت حركة الحياة، وأصلا السلع تم إنتاجها من أجل أن تأتي بمردودها وعائدها لأصحابها سواء بالجنيه في التجارة الداخلية، أو العملة الحرة في التجارة الخارجية.

 

وينشأ السؤال ماذا يفعل أهل حاضنتك من صغار المنتجين في الضعين وفي ام لباسه وفي اللعيت جار النبي، فأين يذهبون بإنتاجهم من  الفول و السمسم و الكركدي و المواشي، بعد أن منعهم الدعم السريع بالقوة القاهرة والباطشة من الأسواق، التي منذ أن تفتحت أعينهم على الدنيا يبيعون فيها إنتاجهم، وتتوفر لهم احتياجاتهم الضرورية من السلع التموينية وغيرها، فأين لهم بها؟ هل هناك أسواق أخرى للسودان يمكنها استيعاب صادرات البلاد الزراعية والحيوانية مثل تشاد أو أي دولة أفريقية أخري؟!!

وذلك نقول ان هذا القرار مردوده سالب اولا على الدعم السريع، وتتوقف به الحياة، وتتحول حواضنه الاجتماعية الي معسكرات لاجئين!!

 

 

 

3

معلوم ومفهوم أن قرار منع الصادرات له تأثير سالب على الاقتصاد المصري، فهل للدعم السريع القدرة السياسية والعسكرية والدبلوماسية للدخول في مواجهة مفتوحة مع جمهورية مصر؟ التي بدأ حميدتي ومستشاروه في مهاجمتها !! غير أن الجناح السياسي للدعم السريع تتأدب جدا في الحديث عن مصر خوفاً، لأن مثقفاتية قحت يدركون أن صراع الدعم السريع مع مصر مثل (كتال الديك مع الصقر البطير) ..

 

 

وبقراءة تأثيرات القرار على مصر، فإن ما يحتاجه الاقتصاد المصري من السمسم والفول السوداني والإبل يتوفر له من القضارف ومن الجزيرة ومن البطانة، ونحن نستورد من مصر الدقيق لسهولة انسيابه بسعر تنافسي، والأجهزة الكهربائية والمنزلية، والفواكه، والفول المصري، والأدوية. والميزان التجاري بين مصر والسودان لا يتعدي 500 مليون دولار، فلا يدور في فهم المليشيا أنهم بوقف الصادر من غرب السودان يمكن أن يحدثوا ضرراً كبيراً، فيركع لهم الإقتصاد المصري. إذ اغلب صادرتنا تذهب الي الصين والسعودية والهند وتركيا. ولا يحسبن حميدتي أن الغرب المصدر الوحيد لصادر الإبل، فإن هناك أسواق في كسلا ونهر النيل والبطانه والضان في القضارف وسنار والجزيرة وكذلك الأبقار وحتى السمسم أغلبه يأتي من القضارف والصمغ العربي في القضارف وفي شرق جنوب كردفان التي لاتسيطر عليها المليشيا. هذا قرار غير مدورس لو كان السودان يصدر لمصر البترول كان يمكن أن تتأثر جدا ولكن بهذا القرار حميدتي يعاقب نفسه بجهله.

 

 

هؤلاء المليشيات يحاربون أنفسهم من غير وعي وهناك من يزين لهم مثل هذه القرارات العشوائية. واحدة من مشاكل دارفور في السابق كان التسويق، والان يأتي البرفسير الاقتصادي حميدتي ويغلق كل أبواب التسويق الداخلي والخارجي ويشن حربا على حاضنته الاجتماعية التي حتماً ستفيق  وتجد نفسها في وضع أشد بؤساً مما كانت عليه في السابق.

 

 

ومن سخريات الأقدار في الأسبوع الماضي نشرت المليشيا صورة لجنود على ظهر عربة لاندكروزر وأمامهم لافته يبدوا انها تم تركيبها كتب عليها مصر 24 كيلو مترا، ومجموعة من الجنود المراهقين يهتفون( كل القوة أسوان جوه) فهل يظن حميدتي أن دخول أسوان مثل دخوله قري ام روابه، وقري الجزيرة، وخزان جديد، وهل حميدتي الذي خسر اخيرا كل معركة مع الجيش يستطيع الدخول في مواجهة مع الجيش المصري ويدخل أسوان فاتحاً لنهبها كما نهب نيالا والفولة الحميراء ويبطش بالشعب المصري كما بطش بأهل السودان؟

 

 

4

لوكانت مصر دولة صغيرة تتقمصها روح الشر والعدوان، ولو كانت تعمل برد الفعل، وسعت للإضرار بالشعب السوداني، لاوقفت صادر الدقيق والدواء ولطردت ملايين السودانيين الذين هم الآن يتقاسمون مع الشعب المصري الإيواء والدواء المدعوم من الخزانة المصرية، ويتقاسمون معه الغاز المدعوم والكهرباء والمواصلات، ولم تتضجر مصر الرسمية ولا مصر الشعبية، ولو طردت مصر كل سوداني دخل أرضها بطريقة غير مشروعة لحدث في السودان كارثة وقد لا يأبه حميدتي كثيرا بكوارث هذه البلاد التي هو حديث عهد بها ولأن حميدتي لم يقرأ تاريخ مصر الفرعونية ولا مصر الفاطمية ومن لايقرا التاريخ الماضي لا يابه كثيرا بالحاضر، وليت من حول حميدتي من المثقفين يقرأون عليه قول لطه حسين وجهه يوماً للعرب جميعاً ولساسة مصر حينما قال (مصر ينبغي أن يحسب لها حساب حينما ترضى ويحسب لها حساب حين تغضب ويحسب لها حساب حين تريد) ومصر يمكنها أن تقول لحميدتي( طظ) وهي كلمة تركية تعني الملح أدنى مواد الاكل ثمنا وأهمها على الإطلاق.

 

 

ولأن حميدتي لم يقرأ لطه حسين ولا رفاعة رافع الطهطاوي، ولم يجلس يوماً في مكتبة الإسكندرية بعد أن يزور المرسي ابوالعباس، ولم يتجول في القاهرة القديمة، ولا يعرف أن الكاتب إحسان عبدالقدوس أمه صحافية، وان المفكر سيد قطب شاعراً أشعر من محمد إقبال، ولم يشاهد حميدتي الخطيب في الميدان ولا مختار مختار ولا شوقي غريب، ولا حتى محمد صلاح في ليفربول وعمر مرموش في انترلخت الألماني، ولم يتعلم من تجربة صلاح نصر ولم يدرس في أكاديمية الحرب العليا، وبرغم ذلك يطمع في الدخول في حرب مع مصر المؤمنة كمال وصفها أبونا شيخ البرعي، والتي نثبت  كل ذلك لها احقاقاً للحق، وهي التي رفضت منحى تأشيرة دخول لارضها لأكثر من شهرين !! ولا نخلط بين العام والخاص.

 

 

5

وصراع حميدتي المتوهم مع مصر من ورائه دولٌ أخرى. وكانت ردة فعل القاهرة باردة مثل قصة الأعرابي الذي جاء مهرولاً لمجلس شيخ العرب ود ابوسن في رفاعة وهو جالس بين رعيته وخدمه وحشمه، فضرب الأعرابي الناظر ابوسن في خده، ونهض العرب للفتك به، لكن الناظر حمى المعتدي عليه وأجلسه إلى جواره، وسأله انت الفعلة دي ما بتشبهك، دحين كلمني ولك العفو المحرشك منو؟

طاطا الأعرابي رأسه وسال الدمع ساخناً من عينيه وقال أبوي الناظر محرشني فلان.

الآن حميدتي حاله كحال الأعرابي الذي ضرب شيخ العرب، لكن السؤال من حرش حميدتي للتهجم على مصر بهذه الجسارة والجهالة؟

 

صحيفة الكرامة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.