هناك فرق- منى أبوزيد- حكاية مدير سجن أم درمان
“مُعظم النِّزاعات تَنبع عن سوء فهم تم تضخيمُه”.. أندريه جيد..!
ذات نهارٍ خرطوميٍ مزدحم بتواتر الأحداث في مطلع شهر أكتوبر من العام 2010م – أي قبل نحو أربعة عشر عاماً – قصدنا “أستاذي عثمان ميرغني رئيس صحيفة التيار وأنا” نيابة الصحافة والمطبوعات للتحقيق مع رئيس التحرير والكاتبة بشأن بلاغ كان يخص مقالاً استقصائياً – من جزئين – بعنوان “رسائل قصيرة من داخل السجن”، كنتُ قد عكفتُ على الاستقصاء عن كل ما ورد فيه لأسابيع، جمعتُ خلالها من الأدلة والقرائن ما يعصمني من تبعات المسائلة القانونية، وحرصتُ في كيفية صياغتها واستعراضها على حماية مصادري “بعض المساجين” داخل سجني أم درمان والهدى ..!
كنتُ من الكُتاب الذين استفادوا من النهج الديمقراطي الذي كان الأستاذ عثمان ميرغني يحرص من خلاله على القدر الأخلاقي والمهني المعقول من احترام الحريات في مواجهة الشكاوى والبلاغات القانونية، فيسدد ويقارب بذكاء اجتماعي وانضباط إداري في مواجهة التمييز على أساس النوع ..!
في أثناء الإجراء الخاص بذلك البلاغ سألني السيد وكيل النيابة عن الأدلة التي استندت عليها، فلم أتوسع في الإجابة لكنني أخبرته بأنني سأطلب من المحكمة – على سبيل المثال لا الحصر – مخاطبة شركة الاتصال التي تتبع لها أرقام هواتف بعض الضباط والعساكر لإثبات عمليات تحويل الأرصدة من هواتف بعض السجناء على سبيل الرشوة!
أذكر أنني قد أشرتُ في ذلك المقال إلى الشرطيين “ع” و”أ” الذين كانا يتزعمان عصابة تمارس أفظع أنواع الذل علي نزلاء قسم الشيكات، فلا تسمح لهم بالاستقرار في القسم إلا بعد دفع مبالغ محددة، وإذا لم يدفع النزيل المبلغ المطلوب يُعاقب بتأدية التمام في قسم “كولمبيا” الذي سمي بذلك لأنه معروف بالقذارة وبذاءة ألفاظ النزلاء وببعض الظواهر مثل تمزيق الجيوب بالموس لسرقة إيصالات الأموال!
ولأن قانون السجن يمنح النزيل “إذن خروج” لساعات محدودة برفقة أحد الحراس – إذا اقتنعت الإدارة بمبررات طلبه للإذن – فقد تناول ذلك المقال حادثةً تخص أذونات الخروج الخاصة بأحد أعياد الفطر، التي قامت الإدارة بالمصادقة عليها لصالح عدد كبير من النزلاء، لكن “اللوردات” فقط هم الذين خرجوا “هذا المصطلح يطلق على النزلاء الأثرياء ذوي العلاقات المميزة مع الضباط والعساكر”، وقد ورد في ذات المقال حديث عن مبلغ مائتي ألف جنيه قام بدفعه كل لورد من هؤلاء “للخروج من السجن كإجراء تنفيذي وليس للحصول على إذن الخروج نفسه”
الإشارة إلى حادثة أذونات عيد الفطر في ذلك المقال لم تكن تحمل أي اتهام مباشر أو غير مباشر لسيادة العقيد – حينئذٍ- “الحسين فتح الرحمن الحسن”، الذي كان مديراً لسجن أم درمان، كما يبدو واضحاً في سياق بعض فقراته الواردة أعلاه، بل كان الاتهام مقتصراً على مجموعة بعينها تم الرمز إلى بعض أفرادها بالأحرف الأولى من أسمائهم لاجتناب تعميم الاتهام على بقية الضباط والعساكر!
ناهيك عن السيد مدير السجن نفسه “الذي كان مشهوداً له بعفة اليد وحسن السمعة” والذي كان يعلم ضحايا تلك العصابة من السجناء أن ارتكاب مثل تلك التجاوزات القانونية يتم دون علمه. لكن سيادته غضب بشدة وقام بفتح بلاغ شخصي في مواجهة الصحيفة والكاتبة، تكفل بالمثول أمام المحاكمة الخاصة به السيد رئيس التحرير بينما كانت الكاتبة خارج السودان ..!
يوم أمس الأول، بعد أربعة عشر عاماً من تباين وجهات النظر الذي لازم الأطراف المعنيين بهذه القضية، وخلال لقاء بمكتب الأخ الكريم السيِّد الهُمام سعادة المستشار “محمد فتح الرحمن” بسفارة السودان بالقاهرة، تمكنتُ من توضيح موقف الكاتبة أمام سعادة اللواء “الحسين فتح الرحمن الحسن” مدير سجن أم درمان سابقاً، واعتذرتُ صادقةً عن أي لبسٍ أو غموض – في ذلك المقال – تسبَّب في الإضرار بموقفه الشخصي أو المِهَني!.
صحيفة الكرامة
munaabuzaid2@gmail.com