للعطر افتضاح- د. مزمل أبو القاسم- إلى بيريللو.. من دون تحية!
قبل أن يحدثنا المبعوث الأمريكي توم بيريللو عن أوجه الاختلاف بين منبري جدة وجنيف، عليه أن يوضح لنا أولاً لماذا أغلقت حكومته منبر جدة ابتداءً، بعد أن نجح في إحداث الاختراق الأوحد من بين كل المبادرات التي استهدفت إنهاء الحرب في السودان؟
ما سبب تحويل التفاوض من جدة إلى جنيف؟
قبل أن يتحدث بيريللو عن إلزامية مخرجات جدة في مفاوضات جنيف؛ عليه أن يوضح أولاً لماذا لم تعمل الحكومة الأمريكية على إلزام متمردي الدعم السريع بتنفيذ مخرجات جدة طيلة الفترة السابقة؟
وطالما أنه علل عدم زيارته للسودان بتقيده بتعليمات الحكومة الأمريكية التي ألزمته بالبقاء في مطار بورتسودان، فعليه أن يعلم ابتداءً أن السودان لديه حكومة أيضاً، وأن تلك الحكومة متمسكة بسيادتها، ومتقيدة بعدم قبول أي شرط يمس تلك السيادة أو ينتهكها أو ينتقص من قدرها، وبالتالي فهي لا تقبل أن تتجاوزها الحكومة الأمريكية لمخاطبة الجيش مباشرةً، لأن الجيش يمثل واحدة من مؤسسات الدولة السودانية، سيما وأن تلك المخاطبة الفوقية تنتهك كل الأعراف الدبلوماسية والتقاليد الراسخة التي تحكم التعامل بين الدول.
السودان لديه حكومة شرعية، يقودها رئيس مجلس سيادة معترف به دولياً بدليل أنه خاطب الجمعية العامة للأمم المتحدة بتلك الصفة، وبالتالي ليس مقبولاً من الخارجية الأمريكية أن تحاول تجريد الفريق البرهان من تلك الصفة مطلقاً.
لو كانت الحكومة الأمريكية حريصةً على إقرار السلام في السودان كما يزعم بيريللو لما أغلقت منبر جدة، ولما حاول وزير خارجيتها صرف تعليمات فوقية للبرهان عندما عندما طلب منه (بمنتهى الصفاقة) إرسال وفده إلى جدة خلال 48 ساعة في خواتيم شهر مايو الماضي.
على المبعوث الأمريكي أن يفسر لنا أسباب التعامل الفوقي الذي تتبعه حكومته في التعامل مع السودان، عندما احتكرت تحديد موعد التفاوض، وموقع التفاوض، وأطراف التفاوض، وأجندة التفاوض، وهوية المشاركين في التفاوض، وهوية المراقبين للتفاوض، من دون أن تكلف نفسها عناء التشاور مع الحكومة السودانية حول تلك القضايا المهمة والحساسة.
هل ينُمُّ ذلك النهج الاستعلائي المقيت عن أدنى رغبة في تحقيق السلام عبر مفاوضات جادة وبناءة؟
هل يدل على أن الحكومة الأمريكية جادة في مساعيها التي تزعم أنها تستهدف بها إحلال السلام في السودان؟
هل يحمل الحد الأدنى من الاحترام لحكومة السودان؟
ثم.. ألا يجب على الحكومة الأمريكية ومبعوثها الذي زار كل دول المنطقة (ما خلا الدولة التي تم ابتعاثه إليها) أن تفسر للشعب السوداني سبب اختارها لدولة الإمارات العربية المتحدة كمراقب في مفاوضات جنيف؟
يعلم بيريللو أن السودان اتهم الإمارات بدعم المتمردين بالسلاح والعتاد الحربي والمعلومات والإعلام، وأنه تجاوز مرحلة الاتهام بالكلام إلى تقديم شكوى ضد الإمارات لمجلس الأمن الدولي، (الشكوى التي عطلتها بريطانيا وأمريكا نفسها)، فكيف تريد أمريكا لخصم فاجر في خصومته ومتهم عند الحكومة السودانية بالمشاركة في جريمة العدوان على السودان أن يصبح مراقباً للتفاوض؟
ادعاء بيريللو بأنهم يريدون تحويل الدور الإماراتي من سالب إلى موجب مضحك ومثير للسخرية، سيما وأن الاتهامات التي قذفها السودان في وجه الإمارات لم تصدر عنه وحده، بل وردت في تقرير لجنة الخبراء يالأمم المتحدة، ووردت في رسالة بعث بها عشرة من أعضاء الكونغرس الأمريكي للحكومة الإماراتية ممثلة في وزير خارجيتها عبد الله بن زايد، ووردت في تحقيق استقصائي نشرته واحدة من أهم وأكبر الصحف الأمريكية.. أكرر الأمريكية، ونقصد بها صحيفة نيويورك تايمز، كما تم نشرها في محطة CNN الأمريكية، بشهودٍ من أهل بيريللو وحكومته التي لم تتدخل مطلقاً للضغط على الإمارات كي تتوقف عن تزويد المتمردين بالسلاح وعن تسعير الحرب في السودان.
يعلم بيريللو والإدارة الأمريكية أن حركات الكفاح المسلح في دارفور اضطرت لدخول الحرب بجانب الجيش سعياً منها لحماية حواضنها الاجتماعية من بطش المتمردين والمليشيات المتحالفة معهم، فلماذا تجاهلوا دعوتها لمفاوضات جنيف؟
وكيف ينتظرون منها أن تتقيد بنتائج مفاوضات لم يتم إشراكها فيها؟
ستستجيب (حكومة) السودان (وليس الجيش وحده) لدعوتكم للتفاوض عندما تحترموا سيادة السودان أولاً، وتتوقفوا عن صرف التعليمات الفوقية للحكومة السودانية وكأنها تابع ذليل لكم، يفترض فيه أن يأتمر بأمركم بلا نقاش.
ستتم الاستجابة عندما يتم التعامل مع رمز سيادة السودان بصفته الشرعية، وبالاحترام الذي يستحقه، وعندما تتوقف الإدارة الأمريكية عن وضع الجيش السوداني في مرتبة واحدة مع مليشيا مجرمة تمردت عليه وقتلت وجوعت وشردت وأذلت ملايين السودانيين، ونهبت ممتلكاتهم واغتصبت نساءهم ودمرت بلادهم.
سيصدق السودانيون أنكم جادون في سعيكم لإنهاء الحرب ومجتهدون لمساعدتهم على تخفيف بلاوي وآلام الحرب عندما يرون منكم إجراءات واضحة وصارمة تتخذونها ضد الدول التي تعتدي على السودان وتسعِّر الحرب في السودان، وتقتل أهل السودان، وتنتهك سيادة السودان، وعندما تكفون عن ترديد العبارة اللقيطة المقيتة التي وضعها عملاء الداخل على أفواهكم (طرفي النزاع)، لأن هذه الحرب لا تدور بين الجيش السوداني والدعم السريع كما تزعمون، بل تشنها مليشيات متمردة ومجرمة ضد الشعب السوداني كله، ولعلكم تعلمون وتتابعون جرائم التطهير العرقي وجرائم الحرب والإبادة الجماعية والاغتصاب والعنف الجنسي واسترقاق النساء التي ارتكبتها تلك المليشيات ضد ملايين السودانيين.. فلماذا لم تتعاملوا معها بما تستحق؟
ما الذي منعكم من تصنيفها جماعةً إرهابية طالما أنها ارتكبت كل موبقات الدنيا في حق المدنيين بالسودان؟
على المبعوث الأمريكي أن يجيب على كل تلك الأسئلة الصعبة، لأنها تتردد على ألسن كل أهل السودان حالياً، ممن يرفضون تسلطكم وفوقيتكم وتغاضيكم المستمر عن الجرائم المنكرة التي ترتكبها ضده المليشيات المتمردة، وعليه أن يعلم حقيق مهمة مفادها أن تحقيق السلام يتطلب وجود وسطاء جادين تتوافر فيهم شروط الحياد وحسن النوايا والرغبة الأكيدة في تحقيق السلام العادل الذي يلبي طموحات ورغبات أهل السودان ويحترم سيادة واستقلالية السودان ويحمي السودانيين من بطش المليشيات المجرمة.. فهل توافرت فيكم ولديكم تلك الشروط؟
الإجابة لا.. بلا كبير عناء!