فيما أرى- عادل الباز- أيام بساحل الشرق (4)
1
للمرة الثانية التقيت بالرئيس البرهان، الأولى في الدوحة قبل الحرب بأسبوعين، والثانية في بورتسودان في زيارتنا الأخيرة بعد الحرب بخمسة عشر شهرا، وكان انطباعي هو هو… قائد كتوم لا يبوح بأسراره، يمكن أن يحدثك عما حدث ولكن يستحيل أن يحدثك عما سيحدث غداً أو ماسيقوم به بعد ساعة، باستثناء وحيد وذلك حين قال لنا (أرى النصر في هذه المعركة كما أراكم جلوساً أمامي). يمكن يشرح لك سياسته ولكن من الصعب التكهن بقراره متى وكيف، يمكن أن يمنحك معلومة صحيحة ولكن لا يمكن صرفها إعلامياً باعتبار أنها مفتوحة على شتى الاحتمالات.
2
اللقاء الأول شعرت فيه بأن الرئيس منزعج ومتوتر قليلاً، وأنه مقبل على أوضاع مجهولة، خاصة حين قال لنا إن الحرب ستندلع في الخرطوم التي بها الآن الآلاف من قوات الدعم السريع وسيكون لها نتائج كارثية على المواطنين. كما أن دارفور التي يحشد فيها حميدتي الآن أكثر من ثلاثين ألف مقاتل بمنطقة الزرق يمكن أن تشهد أوضاعاً يصعب السيطرة عليها. حينما سألناه عن سيناريو اليوم التالي في حالة رفض الدعم السريع شروط الجيش لتوقيع الاتفاق الإطاري لم نحصل على إجابة.
في اللقاء الأخير ببورتسودان.. سمعنا منه تقريباً أهم ما جرى في الماضي البعيد والقريب ولكن لم نعرف منه ما الذي يمكن أن يحدث غداً.. مثلاً كيف يمكن فك الحصار المضروب على السودان في ناحية السلاح، وكان الجواب نحاول أن نجد طرقاً أخرى.
مثل آخر .. السؤال حول العلاقة مع روسيا.. الإجابة كانت نحاول أن نقنعهم بتحسين شروط الاتفاق السابق، فأين يمكن أن تصرف مثل تلك المعلومة؟.
مثال أخير في إجابته على السؤال حول الحكومة… قال إنه قرر أنه سيشكل حكومة تخفف من أعباء إدارة الدولة عليه.. لكن لم يقل لنا كيف ومتى يمكن أن تشكل تلك الحكومة.
3
كان الرئيس البرهان في اللقاء الأخير عكس اللقاء الأول، كان منشرحاً وواثقاً من نفسه ومن النصر على المتمردين، بل كان واثقاً من قدرة السودانيين على تذليل كافة الصعاب، محتفياً بالمقاومة الشعبية، كرر عبارة ستنتصر أكثر من مرة استطاع أن ينقل لنا إحساسه هذا.. الثقة والاطمئنان رغم أحداث سنجة المزعزعة في تلك الأيام. إحساس بالثقة والاطمئنان ارتفعت وتيرته بعد عودة زملائنا من رحلتهم الصعبة إلى أمدرمان وشندي وعطبرة والدامر، ففي كل تلك الرحلة بالعربات كانت الحياة طبيعية كأن ليس هناك حرباً.
4
قلت للسيد الرئيس البرهان قبل أن أقدم أسئلتي أود لو سمحت سيادة الرئيس أن أتقدم بوصية وهي ضرورية الآن.. قلت المهم يا سيادة الرئيس في مثل الأوقات التي تكثر فيها الزعازع أن تبدو دائماً القيادة العليا للدولة موحدة في رؤاها وخطابها أمام الشعب، لأن أي وضع خلاف ذلك سوف ينعكس سلباً على وحدة القوات المسلحة وبالتالي على وحدة الشعب وتماسكه خلف القوات المسلحة..
المؤسسة الوحيدة الصامدة والمتبقية له وسط هذا الدمار الشامل الذي لحق بكل المؤسسات، وضربت له أمثال لا داعي لذكرها هنا، ويقيني أن مثل تلك الوحدة تقوي من صمود الشعب خلف قواته مهما كانت الأوضاع، وللحقيقة فإن اللقاءات التي تلت لقاء الرئيس والتي سبقته سمعنا من الجميع إفادات متشابهة حول الموقف من الحرب، فنفس شروط خارطة الطريق لإنهاء الحرب التي ذكرها السيد نائب الرئيس مالك عقار والتي تبدأ (بوقف الأعمال العدائية والفصل بين القوات المتحاربة، ولتحقيق ذلك يجب الاتفاق على آليات محددة تخص انسحاب القوات ومواقع تمركزها والجهة التي ستشرف على العملية.
وتركز المرحلة الثانية على الجانب الإنساني، ويتم العمل خلالها على الاستجابة للحاجات المستعجلة ومواجهة حالات سوء التغذية التي تحدق بملايين السودانيين. وفي المرحلة الثالثة -وهي المرحلة الأصعب وفقاً لعقار- سيتم بحث مصير دمج القوات وهي النقطة التي توقع أن تستغرق وقتاً طويلاً في ظل وجود عدد كبير من الأجانب ضمن قوات الدعم السريع وتنتهي تلك المرحلة بتوافق سياسي،
كرر هذه الخطة أو الخارطة وزير المالية جبريل إبراهيم وهي ذاتها التي سمعها الزملاء في الوفد الذين زاروا القائد ياسر العطا بأمدرمان. وأكدها الرئيس البرهان في اللقاء الأخير قائلاً (الشعب السوداني لن يقبل بأقل من ذلك).
نواصل