منى أبوزيد- هناك فرق – متلازمة السياسي اللطيف

0

“الأيام هي أفضل جهاز لكشف الكذب”.. برناردشو

 

الرجل الذي يرسم عن نفسه صورةً اجتماعيةً محددة يدافع عبرها عن حقوق النساء ويناصر قضاياهن، ويعاملهن بلطفٍ بالغ بانتظار ردود أفعال عاطفية قد تصدر عنهن – فتمهد لعلاقات مُجحفة لا يتورط خلالها معهن بأي ارتباط – هل هو مصاب بعِلَّة ما، ذات مصطلح رنَّان في مراجع علم النفس..؟

 

 

بلى، هذا النوع من الرجال يكون في العادة مصاباً بما يطلق عليه بعض المختصين في حذلقة علمية “متلازمة الرجل اللطيف”. والمقصود هنا بطبيعة الحال هو ذلك اللطف الزائف الذي تصحبه دوافع شريرة..!

 

 

أرجو أن لا تنسى هذا المصطلح لأنه قد ورد هنا على سبيل ضرب الأمثال للناس لعلهم يتفكرن، ولأننا سوف نحتاج إليه في نهاية المقال..!

 

 

هل تعلم أن أكثر اللصوص أدباً ولباقةً في العالم هو شاب أوكراني لطيف ومهذب يمتلك طريقة ساحرة في ممارسة الحرابة.. ؟

 

 

هل تعلم أنه – إذا ما قُدِّر لك أن تكون أحد ضحاياه – سوف يوجه سلاحه نحوك وهو يبتسم ثم يخبرك بأنه معجب بك للغاية ولا يحمل لك أي ضغينة، وأنه آسف حقاً لاضطراره لسرقتك، قبل أن يعرض عليك – بكثير من اللطف – أن تحتفظ ببعض الغنائم ..؟

 

 

لاحظ معي أن الابتسامة والمسدس والغنائم هي – أيضاً – أيقونات مطروقة ودارجة جداً في عالم الغارات والحروب السياسية. ولو تفكرت قليلاً ستجد أن معطم السياسيين في بلادنا ينتهجون معنا سلوك ذلك اللص اللطيف، مع اختلافات طفيفة حول ماهية الحليف حامل السلاح، ودرجة العنف، و”حبة الذوق” الواجب تركها في قعر كوب الغنائم ..!

 

 

هذا الضرب من الحرابة السلطوية ينقسم بدوره إلى نوعين، فهناك “المارقين للربا والتلاف” الذين لا يأبهون بتقديم الفواتير ولا يكترثون للمحاسبة أو التبرير..!

 

 

وهناك ناس التحالفات غير المعلنة والابتسامات الظاهرة وفتات الغنائم. وهؤلاء يظهرون في الفترات التي تعقب الثورات، ويُغلِّفون الحرابة السياسية بمصطلحات لطيفة على غرار أيقونات الثورة، المؤسسون، المناضلون من أجل الحرية، المحاربون من أجل التغيير .. إلخ..!

 

 

وهكذا، يتسربل تواطؤهم مع انتهاكات المليشيا بثياب التعاطف مع المدنيين العُزَّل، ويتلفع انعدام الحس الإنساني والضمير الوطني لديهم – ونكوصهم عن الإدانة وقعودهم عن المساءلة – بمصطلحات سيريالية مثل طرفي النزاع، الانتهاكات التي يرتكبها الطرفان، واختطاف المؤسسة العسكرية.. إلخ..!

 

 

وفي النهاية نحن موعودون بأسلحة المليشيا المصوبة نحو صدورنا، وابتسامات تقدم التي تجاملنا في أتراحنا، وتساومنا على التنازل عن حقنا في الوقوف مع الجيش مقابل عدم ملاحقتنا بتهم الكوزنة..!

 

 

فضلاً عن أن بعض قيادات تقدم مصابون بعِلَّة سياسية يمكننا أن نطلق عليها – بقليلٍ من الورع العلمي- “متلازمة السياسي اللطيف”. أما الإجابة على السؤال المُفتَرض “لماذا” فهي مُضمَّنة بالسلوك المذكور في المثال المضروب بالمقدمة أعلاه..!

 

 

إذا قُلتَ لإحدى ضحايا متلازمة الرجل اللطيف بأنه وغدٌ لا خِلاق له، متلاعب وبلا ضمير ولن يهتم لأمرك بعد تحقيق الفائدة المرجوة من تمثيله عليك، وتمثيله بمشاعرك. ستجيبك قائلةً “ولكنه لطيف، مهذب، عفيف اللسان، مثقف، أنيق الملبس، ولا يتعاطى السعوط، ولا يصدر صوتاً مزعجاً أثناء الأكل، ولا يتجشأ في وجهي بعد أن يشبع..!

 

 

وكذلك الحال مع السادة المواطنين الفضلاء الذين يبصمون بالعشرة على كل حركات وسكنات تنسيقية تقدم، ويغفرون للسيد عبد الله حمدوك ماتقدم من ذنبه وما تأخر، لأنه مهذب، عفيف اللسان، ويبتسم في وجوه المدنيين الذين تحصد أرواحهم أسلحة المليشيا، وهو يعرض عليهم بعض الغنائم..!

 

 

وكذلك الحال معهم وهم يتجاوزون عن إخفاقات السيد عمر الدقير، والتي كان آخرها ذلك الاستعلاء والاستهبال والاستعباط السياسي اللطيف الذي ورد في مقاله “مناقشة مع عبد العزيز بركة ساكن”..!

 

 

الفرق بين السيد عبد العزيز بركة ساكن والسيد عمر الدقير هو أن الأول أديب يتحدث بعاطفة إنسانية في شأن وطني، ومبعث التغيير في تصريحاته هو صدقها وعدم التزامها بأي مصالح أو حسابات سياسية ..!

 

 

بينما الثاني سياسي يستخدم لغة العواطف الإنسانية للحديث وفقاً لحسابات ومصالح سياسية تستصحب أطماعها السلطوية حينما تساوي بين الجيش والمليشيا..!

 

 

ومع ذلك يُبَجِّل المؤيدون لتقدم مواقفه، لأنه مثقف، رقيق الحاشية، وسياسي لطيف يجهش بالبكاء في حضرة مولاه الشعب الأسمر..!

 

صحيفة الكرامة

 

munaabuzaid2@gmail.com

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.