فيما أرى- عادل الباز – سفير روسيا وحديقة بوريل

0

1

الأسبوع الماضي كتب سفير روسيا الاتحادية بالسودان أندريه تشيرنو فول مقالاً بعنوان (حول مناهضة الاستعمار الغربي الجديد) وهو من أعمق المقالات التي شخصت أزمة الدولة السودانية، بل كل الدول الأفريقية التي تعاني من مظالم سياسات الغرب تجاه العالم الثالث.

 

قيمة المقال ليس في الأفكار العميقة التي طرحها ولا في لغته الرفيعة فحسب، بل أيضا في مقدرة السفير اندرية الفائقة في ربط تاريخ الاستعمار الغربي وأزمة السودان الحالية واتخاذها نموذجا مثاليا للسياسات التي تتخذها الدول الغربية لإلحاق الشعوب الحرة بمشروعها الفكري واخضاعها ونهب مواردها واملاء إرادتها بالخداع أو بالقهر.

 

2

يقول السفير أندريه في مستهل مقاله (تشهد الدول الغربية الحالية أزمة نظام، ولم تعد بلدان الجنوب مستعدة لقبول الاستعمار الجديد من أجل رفاهية المليار الذهبي. ازدهار وتطور (حديقة بوريل) الشيء الذي لم يتم من خلال جهد العمال الأوربيين فقط، ولكن من خلال دماء شعوب الكوكب بأكمله، وإن النجاحات والتقدم الذي حققه العالم الغربي من خلال الحروب الصليبية ومن خلالها أيضاً توسعت سرقة ونهب القارات الأخرى وعزز ذلك النظام الاستعماري الجديد القائم حتى يومنا هذا.).

 

حديقة بوريل التي أشار إليها السيد اندريه أعلاه لها قصة، إذ ثارت دول كثيرة على وزير خارجية الاتحاد الأوروبي السيد جوزيف بوريل عقب الكلمة التي ألقاها خلال افتتاح الأكاديمية الدبلوماسية الأوروبية، أكتوبر من العام 2022 ووصفته بأنه عنصري. ماذا قال بوريل؟.

 

قال «إن أوروبا حديقة، لقد بنينا حديقة، أفضل مزيج من الحرية السياسية والرخاء الاقتصادي والترابط الاجتماعي استطاعت البشرية أن تبنيه، لكن بقية العالم ليس حديقة تماما، بقية العالم… أغلب بقية العالم هو أدغال». وأضاف: «الأدغال يمكن أن تغزو الحديقة، وعلى البستانيين أن يتولوا أمرها، لكنهم لن يحموا الحديقة ببناء الأسوار، حديقة صغيرة جميلة محاطة بأسوار عالية لمنع الأدغال لن تكون حلاً، لأن الأدغال لديها قدرة هائلة على النمو، والأسوار مهما كانت عالية لن تتمكن من حماية الحديقة، على البستانيين أن يذهبوا للأدغال، على الأوروبيين أن يكونوا أكثر انخراطا مع بقية العالم، وإلا فإن بقية العالم سوف تغزو أوروبا».

 

وردت وقتها المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، على بوريل بالقول، إن «أوروبا أنشأت تلك الحديقة من خلال النهب البربري للغابة». وتابعت: «فلسفتهم في الفصل والتفوق أصبحت هي الفكرة الأساسية للفاشية والنازية، وكلتا الحربين العالميتين في القرن العشرين كانتا ناجحتين عن طموح ألمانيا لاستعادة العدالة وإعادة تقسيم مستعمرات أوروبا التي فشلت تلك الدولة في انتزاعها لنفسها».

 

بمقال السفير اندرية يتجدد ذات الجدل ويتصاعد حين غادرت مقالته حديقة بوريل إلى إصابة قلب القيم الغربية ( لقد أصبح الترويج لقيم الديمقراطية والليبرالية المنحرفة أداة لقمع المعارضين كما أصبح أي شخص يرفض تسليم الموارد لشركات النخب الغربية مقابل لا شيء تقريبا – يصبح محظورا من قبل واشنطن وحلفائها، ثم يقومون بمساعدة حلفائهم المتطرفين (والطابور الخامس) بالتحريض على النزاعات الداخلية، وإذا تبيّن استقرار السلطات الداخلية قاموا بالتدخل عبر الذرائع الإنسانية وبتوفير الدعم المهول من قبل وكالات الأمم المتحدة ذات الصلة، والمنظمات غير الحكومية والتي تمولها الدول الغربية في معظم الأحيان، ويمثل هذا النهج دائرة مغلقة تكاد تتطابق فيها النتائج: تدمير الدولة، مئات الآلاف من الضحايا والأمثلة معروفة للجميع في يوغسلافيا، ليبيا، اليمن، العراق وسوريا

انظر وتفكر

ترويج القيم الغربية المنحرفة كأداة لقمع…

اذا تم رفضها يكون الحظر والعقوبات بمساعدة العملاء

إذا لم تحدث العقوبات النتيجة المبتغاة

فالخطوة التالية

# تفجير النزاعات الداخلية..

واذا لم تنجح هذه أيضاً في اخضاع الأنظمة “المارقة”

# يكون التدخل عبر الذرائع الإنسانية من قبل الأمم والمنظمات الحكومية التي تمولها الدول الغربية.

 

هذا النموذج الكلاسيكي الذي يعتمده الغرب لإخضاع الدول التي لا تدور في فلكه ليست تنظيراً يسرده السيد السفير اندريه، إنما نماذجه حاضرة اليوم في اليمن إلى العراق وطبقوه في السودان بحذافيره حتى أسقطوا الانقاذ. ولكن السودان لم يخضع رغم أن التغيير سيطر على قيادته عليه عملاء الغرب ذوى “الغربية المنحرفة” الذين سعوا لتغيير المناهج الإسلامية والقوانين الشرعية وأباحوا كل منكر حتى المثلية… لكن المجتمع السوداني رفض تفاهات القراي التي حاول تسريبها للمناهج وقامها وأسقطها وسقط هو نفسه.. هذه المقاومة للقيم المنحرفة وعدم الخضوع للغرب وعملائه قادته لعدم رفع العقوبات رغم الوعود والأموال التي دفعت سمبلا والتى جرى نهبها من أموال السودانيين، بقت العقوبات حتى يوم الناس هذا.

 

الخطوة الثالثة ضمن مقرر النموذج الكلاسيكي جاءت بعد أن عجزت صنائع الغرب عن إدارة الدولة بفعل المقاومة لخطط تغريب المجتمع السوداني، اتجهوا بعدها لتفجير الأوضاع من الداخل وهذا قد تم بامتياز بواسطة ما عرف بالملعون “الاتفاق الإطاري” وهو الاتفاق الذي رعته الرباعية وأيده الاتحاد الأوروبي والترويكا رغم إنه اتفاق اقصائي لأبعد حد، وهو العنصر الأهم الذي قاد لـ( التفجير الداخلي.) الحرب.

 

ثم ماذا جرى؟

هرع الجميع للأمم المتحدة ومجلس الأمن للتدخل تحت غطاء “الأوضاع الإنسانية” ثم بدأت المؤتمرات الكاذبة تعقد هنا وهناك لأجل جمع الموارد لإغاثة ضحايا الحرب التي أشعلوها تواً. للأسف قتل وتشريد للضحايا ولا أموال وصلت سوى الفتات.

3

 

الهدف دائماً من كل قصص التآمر على الشعوب الحرة هو بحسب السفير اندريه

( سببه أن السودانيين الموالون للغرب وهم من أججوا وأزكوا نار الصراع تسعى الدول الغربية لإيصال ناشطين ومعارضين (تقدم) المأجورين إلى سدة الحكم في البلاد وبأي ثمن.).

 

بعبارة أخرى إيصال صنائع الغرب لسدة الحكم وهم بلا وزن ولا قيم تنتمي إلى الشعب ولا مؤهلات تجعلهم جديرين بالسلطة، وقد رأى الناس تجربتهم على أرض الواقع.

 

كل ذلك يحدث لتظل حديقة السيد بوريل مزدهرة تٌسقى بدماء الشعوب المضطهدة ومواردها وقيمها المهدرة ….ويستمر نواطير الغرب حراس دائمين لبوابة الحديقة، يقتاتون من بقايا غثاء حشائشها المسمومة.

أخيراً، شكراً للسيد اندريه على المقال العميق والرائع.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.