المبعوث الأميركي في حوار صريح يكشف عن مفاوضات غير رسمية  تجري الآن

0

المبعوث الأميركي الخاص لـ«الشرق الأوسط»: أرى طريقاً إلى الأمام في السودان

واشنطن- رنا أبتر

حذّر المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيريللو، من خطورة الحرب السودانية، داعياً إلى ضرورة حل الأزمة سريعاً قبل تحولها إلى «حرب إقليمية». ورجّح بيريللو، في مقابلة خاصة مع «الشرق الأوسط»، أن تبدأ محادثات جدة قريباً من دون تحديد التاريخ، مشيراً إلى وجود مفاوضات غير رسمية جارية في الوقت الحالي.

 

وحثّ بيريللو «اللاعبين الخارجين» على أن يكونوا شركاء في تحقيق السلام في السودان، مشدداً على أنه يحظى بتعاون من أعلى المستويات في البيت الأبيض ووزارة الخارجية، لكنه لا يستطيع «تحقيق الهدف بمفرده من دون تعاون الآخرين». وأوضح أن ما يجري يشكل مشكلة استراتيجية، تتمثل في «وجود بلد يتمتع بموقع رئيسي في الساحل، لكنه ينزلق نحو ما هو ليس مجرد حرب أهلية، بل حرب متعددة الأطراف تجر جيران السودان. فما نراه هو تحول النزاع إلى صراع إقليمي بشكل متزايد، وهذا يعد كارثة للجميع».

 

وأكد المبعوث الخاص الأميركي أنه يحصل على تعاون من أعلى المستويات في البيت الأبيض ومن وزارة الخارجية للقيام بمهامه. وفيما يلي نص اللقاء كاملاً…

 

 

إرادة سياسية

* هل ترى نوراً في نهاية الأفق في السودان؟

 

– نعم، أرى طريقاً إلى الأمام في السودان، لقد رأيت صراعات سابقة اعتبر البعض أنه ليس لديها أمل، ثم شهدنا انفراجات كبيرة، بما في ذلك أول اتفاقية سلام عملتُ عليها في سيراليون. أرى في الواقع طريقاً للأمام في السودان، إنها مسألة إرادة سياسية. الحقيقة أن الشعب السوداني موحد إلى حد كبير حول ما يريده، إنهم منقسمون بشأن القضايا السياسية، وهذا أمر طبيعي في أي مكان، ليس من المفترض أن يكون عليه إجماع، لكن هناك إجماعاً عميقاً على الأسئلة الجوهرية التي لها صلة بهذه القضايا.

 

وأعتقد أن هناك مصلحة مشتركة، أو ينبغي أن تكون هناك مصلحة مشتركة، لكل اللاعبين في المنطقة، بأن الجميع يمكن أن يستفيد من سودان مستقر تحت انتقال ديمقراطي شامل، والجميع يخسر في المسار الذي نحن عليه الآن. لذا يجب أن نكون قادرين على الاصطفاف من أجل الوصول إلى اتفاق. وهذا ليس مجرد سؤال عما إذا كنا سنفعل ذلك، بل ما إذا كنا نفعله بسرعة كافية، لأن الوقت ليس لصالحنا، ونحن نتصرف بسرعة ليست دائماً في طبيعة الدبلوماسيين والدبلوماسية.

 

وربما ننتهي بكوننا غير دبلوماسيين بعض الشيء، إذ إننا ندفع ونلوي الأذرع قليلاً للوصول إلى تلك النقطة. لكن ما رأيته في أشهري القليلة في الوظيفة هو أن هناك فهماً متزايداً بأن هذا وضع يخرج عن السيطرة، ولا أحد سيستفيد من ذلك السيناريو، وهذا ما يمنحني بعض الأمل. والأهم من ذلك، أنا متفائل لأن الشعب السوداني كان مرناً خلال أوضاع مروعة في السابق، وهو لا يتخلى عن طموحه لمستقبل أكثر إشراقاً. وأرى ذلك كلما التقيت بالسودانيين، خاصة النساء والشباب الذين يأتون بأشياء مثل غرف الاستجابة للطوارئ، ويجدون طرقاً للحصول على تطبيقات دفع نقدي وأشياء أخرى. وهم ببساطة على دراية رقمية هائلة، كما أنهم مخلصون جداً لبلدهم، ولم يتخلوا عن ذلك المستقبل الذي يعتقدون أنهم يستحقونه. وطالما أنهم لم يستسلموا، نحن لن نستسلم وأعتقد أنه يمكننا العثور على مسار للحل.

 

ضرورة الحل العاجل

 

* بعد عام من بدء الحرب في السودان، لا تبدو هناك انفراجة في جهود وقف إطلاق النار أو حتى تسليم المساعدات الإنسانية، فما هي خطتكم؟

 

– هناك قدر كبير من الشعور بضرورة الاستعجال في حل الأزمة التي تتحول بسرعة من سيئ إلى أسوأ من حيث مستوى العنف على الأرض. الولايات المتحدة هي أكبر المانحين في المساعدات الإنسانية، ونأمل أن نتمكن من جمع مزيد من الأموال في مؤتمر المانحين في باريس. كما أننا بحاجة إلى إيصالها، ونحن نضغط على جانبي النزاع للسماح بذلك، حتى مخيمات اللاجئين في مناطق مثل تشاد، ليس لدينا تمويل كافٍ، وذلك لأن العالم لم يسمح لهذه الأزمة بالاستمرار فحسب، بل بالاستمرار بخفاء تام تقريباً. نحن ندفع باتجاه استئناف محادثات السلام في جدة لكي تكون شاملة لكل من الشركاء الأفارقة ودول الخليج الذين هم مفتاح المساعدة. ونحن بحاجة إلى أن تنتهي هذه الحرب، ومن الواضح أننا لم نضغط بما فيه الكفاية على الفاعلين لإنهاء هذا الوضع، وسنحتاج إلى القيام بذلك، بالتعاون مع الآخرين في المنطقة.

 

 

عقوبات على الفاعلين

* تتحدث عن الضغط، ماذا يعني هذا بالنسبة للولايات المتحدة؟ أيعني مزيداً من العقوبات؟

 

– كما تعلمون، لقد بدأنا بفرض عقوبات على الفاعلين من طرفي النزاع المسلح، سواء الأفراد أو البنوك والمؤسسات الأخرى التي تدعم الحرب والفظائع، ونحن نأمل أن ينضم إلينا آخرون في توسيع نطاق تلك العقوبات الحكومية. وأعتقد أنه يجب أيضاً حثّ البعض على الاستماع إلى المنطق، حتى إن لم يكن الحافز هو رؤية هذه المعاملة الفظيعة للنساء والأطفال، فما يجري يشكل مشكلة استراتيجية أيضاً، بمعنى وجود بلد يتمتع بموقع رئيسي في الساحل، لكنه ينزلق نحو ما هو ليس مجرد حرب أهلية فحسب، بل حرب متعددة الأطراف، تجر جيرانه. لقد رأينا هذا من قبل، ولا أحد يربح في ذلك السيناريو. لذا، نحتاج إلى أن تسود العقول الهادئة الآن، ونحتاج إلى مزيد من شركاء السلام.

 

 

 

* قلت في السابق إن محادثات جدة ستبدأ نحو يوم 18 من الشهر الحالي، هل ما زلت تعتقد ذلك؟

 

– نحن نؤمن بأن المحادثات ستبدأ، لكننا لم نحصل بعد على تاريخ من الجانب السعودي، لكنّ لدينا التزاماً بإعادة بدء المحادثات، وفي الأثناء نحن لا ننتظر بدء تلك المحادثات، بل نتفاوض كل يوم. ترون ذلك في تنقلاتي حول المنطقة، وترونه أيضاً في الدور المتزايد لـ«الأمم المتحدة» و«الاتحاد الأفريقي». المفاوضات جارية الآن، ويجب على الناس أن يعرفوا ذلك. نحن نسعى إلى إنهاء الحرب في أقرب وقت ممكن. الشعب السوداني لا يستطيع تحمل تكلفة الانتظار، وبالتأكيد نعتقد أن المحادثات الرسمية جزء مهم من هذه المساعي.

 

 

* لكن الخارجية السودانية تقول لا أحد تواصل معها في شأن عقد المحادثات، فهل تواصلتم معها؟

 

– نحن نتطلع إلى إرسال الدعوات، وإلى إجراء الاتصال، بمجرد أن يعطينا الجانب السعودي تاريخاً للمضي قدماً، ونعتقد أنه كلما كان ذلك أسرع كان أفضل. ربما نرى بعض الأخبار بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لبدء الحرب، لكننا نعلم أيضاً أن هناك بعض التوقف بمناسبة عيد الفطر، رغم أن القتال لم يتوقف، بل شهدنا تصعيداً دراماتيكياً للقتال، خاصة حول مدينة الفاشر، ما خلق بيئة رهيبة للمدنيين، ووصول مساعدات إنسانية أقل. لذا في هذا السياق، نحتاج إلى استعجال أكبر في التحرك نحو إبرام اتفاق ما.

 

 

ننحاز للشعب فقط

* سمعت من بعض المسؤولين السابقين اقتراحات بأن واشنطن تقف مع طرف في النزاع دون الآخر، ما رأيك بهذا الطرح؟

 

– نحن بالفعل نقف مع طرف محدد، وهو الشعب السوداني الذي هو واضح جداً إزاء ما يريد… فهو يريد إنهاء الحرب، ويريد رؤية جيش موّحد ومحترف، ويرغب أيضاً في العودة إلى الانتقال الدستوري، الذي كان لدى الشعب السوداني شجاعة وإلهام كبيران في إحيائه قبل 5 سنوات. السودانيون لا يريدون رؤية المتطرفين ومسؤولي النظام القديم الفاسدين يعودون «إلى الحكم». كما أن هناك توافقاً كبيراً في الرأي بين شعب السودان والولايات المتحدة التي تقف إلى جانبه. وسوف نعمل مع أي طرف في هذا الصراع يوافق على الالتزام بمسار يريده شعب السودان، ونحن نعتقد أن هذا هو المحور الأهم في هذه المحادثات، بل في أي اتفاق سلام.

 

 

* هناك كثير من اللاعبين الخارجيين الذين يشاركون اليوم في النزاع، من إيران إلى أوكرانيا، هل يمكنك تأكيد هذه التقارير؟ وهل تقلقك؟

 

– رأينا تقارير بهذا الشأن (حول أوكرانيا)، ونحن نرى كذلك مزيداً من التقارير حول قدوم مقاتلين أجانب إلى جانب «قوات الدعم السريع» من الغرب عبر الساحل. ما نراه هو تحول الصراع إلى صراع إقليمي بشكل متزايد، وهذا يعد كارثة، ليس للسودان فقط، لكن بصراحة لجميع اللاعبين الإقليميين. وينبغي أن يكون هذا نداء صارخ للدول المجاورة بأن هذا الوضع يجب أن يتوقف قبل أن نشهد شيئاً يشبه حرباً إقليمية. ولا يزال هناك وقت لفعل ذلك، وما نحتاجه هو أن يتوقف اللاعبون الخارجيون عن تغذية الحرب، نحتاج منهم أن يكونوا شركاء في السلام وأن يقفوا مع ما يريده الشعب السوداني.

 

 

* وماذا تفعل الولايات المتحدة في هذا الخصوص؟

 

– نحن نتصرف كل يوم، ونقوم بذلك من خلال زيارات دبلوماسية مكوكية. رأينا عدة مبادرات أعتقد أنها لعبت دوراً إيجابياً. أعتقد أنه قبل بضعة أشهر، كان هناك البعض – ممن لا أوافقهم الرأي – ظنوا أن جانباً في الصراع المسلح قد يتمكن من تحقيق النصر، وهذا الاعتقاد يصعّب الوصول إلى طاولة المفاوضات. لكني لا أعتقد أن أي شخص ذي مصداقية يرى أن هذا سيحدث الآن. وما نراه هو جمود يمتد، مع وجود مزيد من اللاعبين الخارجيين الذين يدخلون إلى البلاد، وهذه وصفة كارثية لجميع الأطراف، لأن الحقيقة أن الجميع سيستفيد من سودان مستقر يعود إلى المسار الذي كان عليه قبل بضع سنوات، وهذا يشمل التفكير في إنشاء جيش موّحد محترف، باعتباره جزءاً مهماً من مؤسسة الدولة في المستقبل.

 

 

 

 

تعاون من أعلى المستويات

* لنتطرق إلى تعيينك في منصبك كمبعوث خاص، حظي بردود فعل مرحبة، لكن البعض انتقده خاصة في الكونغرس، لأنه لم يكن تعييناً رئاسياً. يقولون إنك لا تملك خط تواصل مباشر مع وزير الخارجية، صحيح؟

 

– سألتقي بوزير الخارجية قريباً، أعتقد أن هذه المخاوف تلاشت اليوم، عبر رؤية حجم العمل الذي نقوم به. نحن نحصل على تعاون من أعلى المستويات في البيت الأبيض ومن وزارة الخارجية، فهناك اهتمام بهذا الملف، بالإضافة إلى مرافق أخرى في الإدارة الأميركية. على سبيل المثال، اتخذت السفيرة ليندا توماس غرينفيلد دوراً قيادياً مهماً في «الأمم المتحدة» وتعمل معنا ومع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. هذه مقاربة شاملة من الحكومة الأميركية، وأنا كمبعوث خاص وظيفتي تقضي تنسيق وقيادة هذه الجهود الاستراتيجية باسم الرئيس بايدن ووزير الخارجية بلينكن. وأعتقد أنكم ترون دوراً هائلاً من قيادة الولايات المتحدة، لكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا، ونحتاج أن نرى اللاعبين الرئيسيين في الداخل وفي المنطقة ينضمون إلينا بنفس حسّ الإلحاح لنصل إلى ذلك الاتفاق، وتسليم الشعب السوداني مستقبله.

 

 

* هل سنرى تعيين سفير إلى السودان قريباً؟

 

– سفارتنا ليست مفتوحة في الخرطوم كما تعلمون، نحن في الواقع على تواصل مع الحكومة، والوزارات ذات الصلة بشأن هذه العملية لديها بروتوكول خاص. في الوقت الحالي يتوزع فريقنا في أجزاء مختلفة من المنطقة، وسنواصل محاولة التعرف على أفضل طريقة لإدارة الوضع، بما في ذلك من خلال موظفينا المحليين الذين يبقى بعضهم في البلاد، وواجباتنا القنصلية وعوامل أخرى مرتبطة بذلك.

 

 

 

فوائد الاتفاق

* يقول البعض إن طرفي النزاع في السودان اليوم هم عسكريون، والعسكر غير مدرب على التفاوض، بل على الفوز في القتال، ما هي استراتيجيتك في هذا الشأن؟

 

– أملنا هنا هو أننا قد نتمكن من تغيير العقلية القائلة إن عدم الفوز يعني الخسارة. وأحياناً، من الأسهل فعلياً جعل الناس يرون فوائد الاتفاق أولاً بدلاً من فوائد المحادثة. لذلك، نحن بحاجة إلى إجراء محادثات رسمية، لكني أعتقد أيضاً أنه عندما نتحدث عن النتيجة في المستقبل سيكون لدينا شيء يرى الجميع أنه يفيدهم في السودان. لكن، هذا صعب، عندما يكون الناس في حالة الحرب، لأن عداوتهم تكون في أوجها. ولهذا السبب، نعتقد أن الأمر لا يتعلق بجعل الطرفين المتحاربين يتباحثان بعضهما مع بعض، بل يتعلق قبل كل شيء بتركيز اهتمامنا على الشعب السوداني وما يريده. يجب أن يكون السودانيون هم من يحدد المستقبل، ومن ثم العمل مع اللاعبين الخارجيين لضمان أن لدينا ضغطاً دبلوماسياً كافياً لدعم الخطة التي يريدها الشعب السوداني.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.