تدهور قيمة الجنيه السوداني

0

كتب- مصعب عوض محمد خير تحت عنوان “المقاربة المغلوطة لتفسير تدهور الجنيه” قائلا: الشائع انو زيادة سعر الدولار او تدهور قيمة الجنيه السوداني هي المحرك الأساسي لزيادة أسعار السلع لأننا نعتمد على الاستيراد بشكل كبير وحتى السلع المنتحة محليا بالكامل يعاد تسعيرها بمجرد ارتفاع الدولار في السوق الأسود وبناء عليه سعر الصرف هو المتهم الأول بالتسبب في التضخم.

 

واذا سألت عن لماذا يرتفع سعر الدولار او يتدهور سعر الصرف فان الإجابة الشائعة هي ان السبب هو عجز الميزان التجاري او ميزان المدفوعات بالمجمل بمعني ان صادراتنا اقل من وارداتنا وما يأتيننا من عملات صعبة أقل مما يخرج مننا او ما نحتاج اليه .

 

خلونا نبدأ بالنقطة الثانية صحيح عجز ميزان المدفوعات يؤثر لا شك في قيمة العملة لكن لو جينا حللنا بيانات 15 سنة لورا مثلا ستجد ان الفرق بين الصادر والوارد او العجز ما قعد يتوسع ويزيد بشكل مستمر او كبير يعني في عجز مزمن ودائم لكن متذبذب صعودا وهبوطا  بينما سعر الصرف خلال ال15 عام دي في حالة هبوط مستمر وبحصل في شكل دورات هبوط حادة وسريعة. ثم استقرار نسبي قصير ثم دورات هبوط اخري وهكذا عشان اقرب المسافة والفهم في سنة 2011 تقريبا كان واحد دولار يساوي 3 جنيه وليس ثلاثة آلاف ، بينما اليوم السعر تقريبا في حدود تلاث آلاف ونص جنيه مقابل كل دولار واحد.

 

وخلال نفس الفترة اقصد 2011-2025 فان العجز في الميزان التجاري ظل يتراوح بين 4 و 6 مليار بل انه انخفض في السنوات الأخيرة الي 3 مليار ثم 1.7 مليار دولار في 2024 ولعلك تلاحظ انه لا ارتباط واضح بين تدهور سعر الصرف وعجز الميزان التجاري والتي نسميها الاختلالات الخارجية Balance of Payment driven depreciation  وهذا يقودنا للمرشح الاخر اذا كان اختلال ميزان المدفوعات او الاختلالات الخارجية ليست هي ما يؤدي لتدهور سعر الصرف فالعامل الاخر المرشح هو نمو عرض النقود Monetary driven depreciation حيث ان زيادة كمية النقود تؤدي الي تدهور سعر الصرف عن طريق ما يسمي بتأثير الحافظة او إحلال الأصول Asset substitution بمعني ان زيادة عرض النقود تؤدي إلى ضخ أموال جديدة في الاقتصاد تستخدم فورا في شراء دولار للحفاظ علي القيمة وليس بهدف الاستيراد مما يخلق طلب فوري يؤدي الي ارتفاع سعر الدولار في المقابل تحدث زيادة المعروض من الجنيه وبالتالي انخفاض قيمته.

 

والقناة الأخرى هي قناة تكافؤ القوة الشرائية purchasing power parity لكن خلينا في قناة إحلال الأصول فهي أوضح واسهل في الفهم ، يعني الخلاصة حتى مع عدم وجود اختلال في ميزان المدفوعات او حتى إن وجد فائض في الصادرات مقابل الواردات فأن النمو المفرط في عرض النقود سيؤدي إلى تدهور سعر الصرف عن طريق خلق طلب على النقد الأجنبي يضعف العملة المحلية.

 

تدهور سعر الصرف يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الاستيراد وبالتالي زيادة التضخم صحيح ولكنه في الحالة السودانية هو قناة ينتقل عبرها اثر النمو في عرض النقود للتضخم وليس سببا قائما بذاته واللبس الذي يقع فيه عدد من الأشخاص الذين يعملون دراسات انهم يجيبوا بيانات التضخم وبيانات سعر الصرف يلقوا بينهم علاقة قوية جدا فبفترضوا ان العلاقة القوية دي علاقة سببية Causal وهي في الواقع ما سببية وانما التضخم وسعر الصرف بتحركوا سوأ لانو المسبب الأساسي فيهم الاثنين سوأ هو عرض النقود وهذا ما اثبتته الدراسات

انا شخصيا مشروع تخرجي للماجستير المتخصص في البنوك المركزية كان عن لأي مدي يمكن التنبوء بالتضخم في السودان كان التالي جزء مما خلصت له دراستي

Exchange rate fluctuations may affect inflation through import costs, but equally may not be causal; rather, they reflect the forward-looking property of exchange rates, with exchange rate adjustment occurring in anticipation of future inflation.

 

قد تؤثر تقلبات سعر الصرف على التضخم عبر تكاليف الواردات، لكنها بالقدر نفسه قد لا تكون سببية، بل تعكس الخاصية التوقعية لسعر الصرف، حيث يحدث تعديل سعر الصرف استباقاً توقعاً للتضخم المستقبلي.

الزميل السابق ماريال رحمة الله عليه ايضا توصل لنفس النتيجية في دراسة اجراها سنة 2008 بعنوان محددات التضخم في السودان

 

The findings of this study strongly support the argument by Bilson (1979) that although exchange rates appear to cause movements in prices and wages, the ultimate cause of both the exchange rate depreciation and domestic inflation is an expansionary monetary policy.”

 

“تدعم نتائج هذه الدراسة بقوة طرح بيلسون (1979) الذي يرى أنه بالرغم من أن أسعار الصرف تبدو وكأنها تتسبب في تحركات الأسعار والأجور، إلا أن السبب الجوهري لكلٍ من تدهور سعر الصرف والتضخم المحلي هو السياسة النقدية التوسعية.

 

ويمكنني المضي في سرد عشرات الاقتباسات من أوراق اخري توكد نفس النتيجة ولكن اكتفي بهذا القدر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.