كامل إدريس في نيويورك.. المهمة الصعبة

0

كتبت- أميرة الجعلي- توجه رئيس الوزراء كامل إدريس اليوم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مترأساً وفد السودان المشارك في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك.

 

وظلت مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة محل جدل كبير في الوسائط الإعلامية اذ يدعم البعض الخطوة بإعتبارها فرصة مواتية لتقديم الوجه المدني لحكومة الأمل في اطار إعادة ترميم علاقة السودان بالمجتمع الدولي، فيما فضل البعض الآخر قيادة البرهان بإعتباره رأس الدولة.

 

وتتزامن زيارة كامل إدريس الى نيويورك مع معارك صامتة أخرى تجري في مسارات مختلفة لكنها تصب في نتائج مشاركته في إجتماعات الأمم المتحدة.

 

إذ أسقطت لجنة العلاقات الخارجية في الكونقرس تعديلات النائبة الديمقراطية بالميلا قابيال التي دعت لسحب الإعتراف عن ممثلي الحكومة السودانية في المنظمات الدولية. لكن معركة أخرى أكثر شراسة تدور في جنيفا حيث قدمت بريطانيا مع دول أوروبية أخرى مشروع قرار في مجلس حقوق الإنسان يقضي بتجديد مهمة فريق تقصي الحقائق. ولكن جاء مشروع القرار ملغوما بلغة تنزع الشرعية عن حكومة الأمل وتساوي بين الجيش ومليشيا الدعم السريع وينادي بعودة الحكومة المدنية السابقة بل ويشيد بجهود مجموعة (صمود) لوقف الحرب.

 

ومشروع القرار البريطاني في مجلس حقوق الإنسان يوضح عسر المهمة التي يواجهها كامل إدريس مع المجتمع الدولي في نيويورك. إذ من الواضح أن الدول الغربية بقيادة بريطانيا ما تزال تدفع نحو تسوية تؤمن مستقبل الدعم السريع وتساوي بينه وبين الجيش وتعيد القوى المدنية مع إبعاد تام للجيش عن مقاليد السلطة السياسية تحت شعار ( حكومة إنتقالية بقيادة مدنية).

 

وتنبع أهمية مشاركة كامل إدريس ليس لمجرد إلقاء خطاب السودان لكن من طبيعة الظرف التاريخي والتحديات الذي يمر به السودان خاصة جهود الدولة نحو عزل مشروع الدعم السريع من تحالفاته الدولية التي تقودها الامارات وتجد الدعم بطرف خفي من تل ابيب وواشنطن.

 

وبدأ واضحا أن المجتمع الدولى الغربي ما يزال يراقب أداء رئيس الوزراء كامل إدريس ولم يتخذ قرارا نهائيا بدعمه ومساندته، بل ظل يضع في طريقه المتاريس والعقبات لإفشال مهمته لأن الطرف المفضل لهم لقيادة الفترة الإنتقالية هي مجموعة صمود بقيادة حمدوك لأنها أكثر ميلا لتنفيذ أجندة المجتمع الدولي الذي قدم لهم الدعم والرعاية والميزانيات، كما يرى المجتمع الدولي أن كامل إدريس لا يحتفظ بأي سلطات حقيقية مقابل المكون العسكري المسؤول عن القضايا السيادية والأمنية.

 

لذا تقع على عاتق رئيس الوزراء مهمة تقديم برنامج حكومة الأمل ليس فقط في مجال تحقيق السلام وحماية المدنيين وانسياب المساعدات الإنسانية واستعادة المسار الانتقالي، ولكن بالحرص على توضيح أنه يملك سلطات حقيقية في إدارة الجهاز التنفيذي مما يدفع المجتمع الدولي لأن يثق في قراراته وسياساته والتعاطي معه في مسار وقف الحرب وتحقيق السلام.

 

ولعل من المهم في تعاطى رئيس الوزراء أمام المجتمع الدولي هو خطابه المرتقب في الجمعية العامة يوم 27 سبتمبر الجاري، والذي تشير التوقعات أنه سيعيد التأكيد فيه على خارطة الطريق التي قدمتها الحكومة الى مجلس الأمن، والكشف عن الانتهاكات التي أرتكبها الدعم السريع جراء حصار الفاشر وقتل المدنيين.

 

ومن المتوقع أن يجري رئيس الوزراء عدد كبير من الاجتماعات على هامش اجتماعات الجمعية العامة وعلى رأسها وفود الولايات المتحدة والأمين العام وبريطانيا وألمانيا ووكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية وغيرها.

 

وعلمنا من مصادر متطابقة أن الإمارات تسعى لزرع الشكوك حول جهود رئيس الوزراء في اجتماعاته المرتقبة، خاصة للحيلولة دون وصوله لأي نوع من التفاهمات مع القوى الرئيسية الساعية لمشروع السلام في السودان.

 

ولعل زيارة المستشار الخاص للشؤون الأفريقية مسعد بوليس الى أديس أبابا الأسبوع الماضي، كشفت أن واشنطن تسعى لربط جهود الرباعية بالمنظمة الأفريقية حيث أجرى مباحثات مطولة مع المفوض لتنشيط دور الاتحاد الأفريقي عبر آلياته المختلفة لتبني رؤية الرباعية التي صدرت في القرار الأخير.

 

وهناك توقعات بأن تعقد الرباعية اجتماعا على هامش اجتماعات نيويورك على مستوى وزراء الخارجية لتعضيد مخرجات البيان السابق والسعي لإقرار برنامج مشترك مع الاتحاد الأفريقي يستند على نفس آليات المنظمة الأفريقية مع تقديم السند الدولي المطلوب.

 

ورغم هذه الجهود إلا أن الرئيس البرهان أكد في خطابه أمام الجالية في الدوحة أن السودان لن يكون طرفا في أي مشروع أو قرار لم يكن طرفا فيه أو تمت مشاورته عليه.

 

ومن الطبيعي أن يجد رئيس الوزراء كامل إدريس نفسه محصورا بين الموقف المعلن الذي صرح به البرهان وبين ضغوط المجتمع الدولي الداعي للتعامل مع الآليات الإقليمية، وهذا ما يشير الى التسريبات الأخيرة في أن الاتحاد الأفريقي يسعى جديا لرفع تجميد نشاط السودان حتى تشارك الحكومة بجدية في أي مشروع للسلام وحل الأزمة.

 

المهم حاليا اللقاءات التي ستعقد على هامش الجمعية العامة، لذلك لابد على رئيس الوزراء ووزير الخارجية ان يكثفوا لقاءاتهم الثنائية لشرح تطورات الأوضاع في السودان، بجانب بذل كثير من الجهد لإجهاض ما حمله بيان الرباعية الأخير الذي وجد الدعم من المنظمات الإقليمية والدولية بما فيها الأمم المتحدة، بجانب الترحاب الذي وجده البيان من كثير من الدول الأخرى باعتبار ما جاء فيه يمثل حلا للأزمة السودانية ومن شأنه ان يوقف الحرب، لابد من اقناع الدول المشاركة، وكذلك المنظمات بان ما يحمله بيان الرباعية لن يوقف الحرب ولا يمثل حلا، وإقناع المجتمع الدولي بان الكلمة الآن بيد الشعب السوداني ولا احد يستطيع فرض حل للازمة بعيدا عنه.

 

كما لابد لرئيس الوزراء ان ينجح في اقناع كثير من الدول بضرورة ادانة الإمارات وحثها على إيقاف دعمها المستمر لمليشيا الدعم السريع وان ترفع يدها عن تدمير السودان.

 

نجاح رئيس الوزراء في احداث اختراق في قضية السودان من خلال مشاركته في الجمعية العامة ومقابلته بالأمين العام للأمم المتحدة ورؤساء الحكومات وممثلي الدول ذات الثقل لاسيما التي لها عضوية في مجلس الامن الدولي ستكون بمثابة الفرصة الأخيرة له لكسر الحصار الدبلوماسي على السودان وكسب تعاطف الدول المؤثرة والتسويق لموقف الحكومة وقناعة الشعب أنه لا مستقبل لمليشيا الدعم السريع في مستقبل السودان..ونجاح رئيس الوزراء في اجتماعات الجمعية العامة سيعيد بعض البريق المفقود لحكومة الأمل التي فقدت كثير من التأييد الشعبي مؤخرا بسبب تفاقم الأزمات الداخلية خاصة أنتشار الأوبئة وتدهور قيمة العملة السودانية وضعف استجابة الحكومة المدنية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.