نقيب- محمد عبدالرحمن هاشم القاضي- في مشهد سياسي وأمني بالغ التعقيد، تتهيأ العاصمة الأمريكية واشنطن لاستضافة اجتماع رباعي رفيع الأسبوع المقبل، يضم الولايات المتحدة، المملكة العربية السعودية، جمهورية مصر العربية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، لمناقشة رؤية جديدة لوقف الحرب في السودان. وتأتي هذه المبادرة في وقت حرج، يتزامن مع المكاسب العسكرية الكبيرة التي حققتها القوات المسلحة السودانية على الأرض، مما يعزز من مكانتها التفاوضية ويكرّس واقعًا ميدانيًا لا يمكن القفز عليه.
الرباعية تتحرك من واشنطن
وفقًا لمصادر دبلوماسية وإعلامية متقاطعة، فإن اللقاء الرباعي المنتظر سينعقد على هامش الاجتماعات الوزارية في واشنطن، بحضور وزراء خارجية الدول الأربع، وقد يُشارك فيه أيضًا ممثلون عن بعض الجهات الدولية المهتمة بالملف السوداني. وتستند الرؤية الأمريكية الجديدة إلى مقترحات تقود إلى وقف دائم لإطلاق النار، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، وتمهيد الطريق لعملية انتقال سياسي يُراعى فيها تمثيل القوى المدنية والعسكرية الفاعلة.
غير أن ما يدور في كواليس الاجتماع المرتقب ليس بمعزل عن الوقائع العسكرية الصلبة، والتي باتت تميل بوضوح لصالح الجيش السوداني، خصوصًا بعد نجاحه في استعادة معظم مناطق السودان واحتفاظه بزمام المبادرة في غرب السودان، مع تحركات محكمة وتكتيك مدروس بعناية لمحاصرة ما تبقى ما المرتزقة في كردفان زحفا نحو دارفور
الجيش يملك الأرض.. والشرعية
منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، ظلت القوات المسلحة السودانية تخوض معركة مصيرية ضد التمرد الذي تمثله مليشيا الدعم السريع. وبرغم التحديات الهائلة، فإن الجيش صمد، وأعاد ترتيب صفوفه، واستعاد تماسكه الوطني والعقائدي، ونجح في امتصاص الصدمة الأولى، بل وتحويلها إلى نقطة انطلاق لهجوم مضاد استراتيجي، أعاد له السيطرة على غالب الجغرافيا السودانية.
واليوم، يقف الجيش متحكمًا في معظم مداخل ومخارج البلاد، ممسكًا بخيوط الأمن القومي، ومؤمّنًا للحدود الدولية، ومسيطرًا على موانئ البحر الأحمر، وعلى مناطق الإنتاج الحيوي في الجزيرة، وسنار، ونهر النيل، وبورتسودان، وأطراف كردفان،كما أن القوات المسلحة تقود الحكومة التنفيذية الشرعية المعترف بها إقليميًا ودوليًا، الأمر الذي يجعلها الطرف الفاعل الأول في أي تسوية قادمة.
الرسالة من واشنطن.. إيقاف التدهور قبل الانهيار
من الواضح أن الدعوة الأمريكية لاجتماع الرباعية لا تأتي بدافع التعاطف المجرد مع الشعب السوداني، بل من إحساس متزايد لدى واشنطن بأن استمرار الحرب دون سقف زمني، وبانتصار حتمي للقوات المسلحة، سيُقصي أدوات الضغط المدني والعسكري التي راهن عليها الغرب طويلاً. لذلك، فإن المساعي الأمريكية تبدو كأنها محاولة لإنقاذ ما تبقى من نفوذها عبر مقترح وقف إطلاق نار، قد يُمنح للمليشيا كفرصة للهروب من الهزيمة الشاملة.
الواقع لا يُعاد تشكيله في الفنادق
لكنّ المشكلة الجوهرية تكمن في أن مثل هذه الرؤى السياسية، إذا لم تستند إلى الوقائع الميدانية، ستولد ميتة. فالجيش السوداني لم يعد ذلك الطرف الذي يمكن تجاوزه ببيانات ناعمة أو حوارات نُخبوية تُدار من خارج الجغرافيا. لقد أثبتت معادلة الحرب أن من يملك الأرض هو من يملك القرار، وأن الكلمة العليا أصبحت لمن قاتل وصمد وقدّم الشهداء، لا لمن اختبأ خلف الوكالات أو ارتهن للأجندات الأجنبية.
فرصة للسلام.. ولكن على أسس صحيحة
لا شك أن الجيش السوداني، قيادة وجنودًا، يُدرك أهمية السلام ووقف نزيف الدم، وهو الطرف الأحرص على إنهاء معاناة المدنيين وإعادة الاستقرار للوطن، لكنه في ذات الوقت لن يقبل بسلام يُكافئ المليشيا أو يعيد إنتاج الأزمة بشكل مختلف. إن السلام المقبول هو ذاك الذي يحترم دماء الشهداء، ويؤسس لدولة القانون، ويمنع عودة الفوضى المسلحة تحت أي غطاء سياسي أو قبلي.
بينما تجتمع الرباعية في واشنطن، وتُطبخ الرؤى الدبلوماسية خلف الأبواب المغلقة، فإن الحقيقة الصلبة تقول: الجيش هو من يفرض معادلات القوة، وهو من بيده مفاتيح الحل. والمطلوب من المجتمع الدولي ألا يكرر أخطاء الماضي بمحاولات فرض صيغ هشة مثلما حدث سابقا في الاتفاق الإطاري الذي كان بحسب قائد المليشيا هو سبب الحرب لكونه اتفاقا تم بناءه على أساس غير سليم يكرس لمجموعة محددة ويمنح المليشيا امتيازات قد تتجاوز الجيش السوداني، لذلك على الجميع أن يدرك أن من يحسم المعركة على الأرض، يملك الشرعية الفعلية، وأن السلام الحقيقي لا يُفرض من العواصم، بل يُبنى على تضحيات الميدان