الوطن ليس صورة شخصية: في الدفاع عن ساتي وزيرا للخارجية
كتب – عادل الباز مقالا تحت عنوان “الوطن ليس صورة شخصية: في الدفاع عن ساتي وزيرا للخارجية”
1- أخطر ما يواجهنا اليوم هو أن يسعى كل منا ليرسم الوطن على صورته، وألّا يرى في أفقه سوى طيف خياله. يخطئ “البلابسة” إذا ظنوا أنهم قادرون على رسم الوطن على صورتهم، كما أخطأ “القحاته” حين حاولوا الأمر ذاته من قبل: فالوطن، كان ولايزال في تصورهم، هو هم، وهم وحدهم. لا أحد غيرهم يرسم حاضره أو مستقبله، ولا أحد “يجي ماشي بجاي”، وحدهم يرون صورتهم في مرآة الوطن، ولا أحد سواهم. وكلهم كانوا يتغنون بوطن متنوع… بلد حبوب… و جلابية وتوب وشنو وشنو.. ما عارف، لكن حين يدور الزمن ويدخلون دهاليز السلطة بانقلاب أو ثورة أو استهبال ساكت.. تعمى أبصارهم عن الوطن المتنوع ويصبح ليس في جبة السلطة إلا “أنا ولا أريكم إلا ما أرى”… وتبدأ معزوفة الضلال القديم والإقصاء: “ده شيوعي نسحله”، و”ذاك كوز “ندوسه دوس”، و”هذا قحاتي نبلو بس!!”. بالله شوف.
سبقهم كثيرون في طريق الوهم هذا، ظنّوا جميعًا أنهم سيرسمون وطنًا على مقاسهم، فماذا كانت النتيجة؟ في كل الأحوال، كان رد فعل الشعب واحدًا، وكان بليغًا.
2
فكرة الإغراق التي انتهجها “القحاته” هي ذاتها فكرة الإغلاق التي يلوّح بها “البلابسة”. كلا الفكرتين إقصائيتان، وجهان لعملة واحدة، لا فرق بينهما، وكلاهما مضر بصحة الوطن وعافيته، ونتائجهما كارثية رأيناها بأم أعيننا. لكننا لا نتوب إلى الله، ولا نعتذر لشعبنا عن أخطائنا وتقديراتنا البائسة. لا نقلع عن الكبيرة التي ارتكبناها بحق الوطن، ولا نتجاوز الصغائر لاجل الوطن، ولهذا نظل ندور في حلقة مغلقة بلا أفق لمستقبل نبنيه معًا.
3
لماذا هذه المقدمة؟ إنها للذكرى، إن كانت تنفع السودانيين. بالأمس، تسرّب خبر بأن رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس قد رشّح السيد نور الدين ساتي وزيرًا للخارجية. فاشتعلت الأسافير، وبدأت معزوفة الاتهامات المعتادة من أولئك الذين يظنون أنهم وحدهم يمتلكون مفاتيح الحقيقة.
لماذا كل هذه الضجة؟ لأن ساتي “قحاتي”؟! هب أن ذلك صحيح الآن… ولكن هذا “القحاتي” وافق على العودة إلى الوطن خادما له ، وتحت قيادة دولته الشرعية. فماذا يضيرك يا زول؟! لماذا تغلق باب التوبة وتسد باب العودة؟ من أنت، وبأي حق تصدر الأحكام؟
4
هب أن الحاج وراق، وياسر عرمان، والدقير، وحتى خالد يوسف هبطوا فجراً مطار بورتسودان وقالوا: جئنا نخدم وطننا تحت امرة قيادته الشرعية. أليس من الأجدر أن نقول لهم “دبايوا، ادخلوها بسلام آمنين”؟ اليس ذلك افضل من ان نقول: لا والله، أغلقنا باب الوطن علينا نحن “البلابسة”، فهو لنا، لا لغيرنا؟يا لغرابة ذلك هذا الموقف تُرى الى شى ينتمى؟ للسياسة؟ أم شيء آخر لم تتعلمه بعد؟
5
إذا قبلنا من حملوا السلاح ضد الوطن وقاتلوا القوات المسلحة “كيكل وصحبه” وحتى بالأمس كان عفو القائد العام يشمل المتمردين الذين ألقوا السلاح وسلموا أنفسهم للفرقة الخامسة بالدمازين. إذا قبلنا ذلك وصفقنا له، فلماذا نصفد أيدينا عن مصافحة عن من جاء إلى الوطن يسعى بالتوبة والخير؟! كيف نصافح من حمل السلاح ونصدّ الصدور عن من مدّ يده بالسلام؟.مالكم كيف تحكمون.؟!
6
نور الدين ساتي… أعرفه شخصيًا واللي معه سجالات وخلافات معلنة ومكتوبة وفي قضايا عامة… وذلك حين كنت أعتقد أنها تتخذ الموقف الخطأ، ولكن ساتى عرف عنه انه رجل مهذب وخلوق وعلى درجة عالية من الوعي وهو الأكثر تأهيلاً الآن لمنصب وزير الخارجية، وبإمكانه أن يؤدي في هذه الوظيفة بكفاءة ويزينها ويجيرها لصالح الوطن. هو سفير قبل عقود وفي عدة دول وسفير في الولايات المتحدة بعد التغيير، وعلاقاته ممتدة دوليًا وإفريقيًا بحسب المناصب التي تقلدها من قبل، وهو سفير مهني ، عمل نائبًا للممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في مهمات حفظ السلام ببلدان مثل بوروندي، الكونغو، ورواندا بين 2002 و2006، ويحمل شهادة دكتوراه في الأدب من جامعة السوربون (1974)، ويتقن ثلاث لغات: العربية، الإنجليزية، والفرنسية. وله شبكة علاقات ممتدة إقليميا ودوليًا، أهلته للحصول على أوسمة من فرنسا والفاتيكان، وهو اليوم عضو في مجموعة العمل حول السودان بمركز ويلسون. باقي سيرته تجدونها مبذولة في الأسافير وهي سيرة ثرية وجديرة بالاحترام. وكلها تقول انه كفاءة وجدير بالمنصب.
7
من أهم ما يمكن أن يفعله رئيس الوزراء الآن، هو أن يختار الكفاءات، أيًّا كانت خلفياتهم: شيوعيين، إسلاميين، “قحاتة”، “بلابسة”، أو حتى “جن أحمر”. لا يهم، طالما أنهم اليوم في خدمة الوطن وتحت قيادته. أما أن نسجن الوطن في زنازين أحقادنا، ونزعم أن حبنا له يخولنا طرد الآخرين منه، فهذا وهم ينبغي أن ننزع عنه.
8
السيد رئيس الوزراء… إذا جاءك ساتي خادمًا للوطن أو طلبت إليه أن يفعل ذلك وقبل، فلا تلتفت خلفك، خذه إلى جانبك فهو جدير بالمنصب ونهجك هذا صحيح بل هو مخرج للوطن الذي ننشده… وطن يسعنا جميعًا يتقدم فيه الزول بكفاءته لا بحسبه ولا نسبه ولا حزبه ولا بلبسته… من أراد غير ذلك فليبحث له عن وطن آخر، فهذا وطن سمح ومتسامح، وطنٌ لا يسأل عن لون البزة ولا عن الولاء القديم، بل عن الكفاءة والولاء اليوم. … وطن سمح وزين .. وصدره مليان غنا، مليان عشق وحنين.
سيدي رئيس الوزراء… توكل على الله… مرحبًا بساتي وزيرا للخارجية