سليمان جودة يكتب.. فخ الدعوة إلى جنيف
أذاعت وكالة رويترز للأنباء أن رمطان لعمامرة، مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان، دعا الطرفين المتقاتلين في البلاد إلى التفاوض في جنيف، وأن الهدف هو حماية المدنيين وإدخال المساعدات إلى المناطق المتضررة من القتال. أما وقف الحرب كهدف من اللقاء فقد جرى الحديث عنه على استحياء مع أنه الهدف الأهم بلا منافس.
ومما قالته المتحدثة باسم الأمم المتحدة يتضح أن التضارب سيد الموقف، فهناك كلام قيل في البداية عن أن الطرفين تغيبا معا، وهناك كلام آخر قيل لاحقا عن أن طرفا واحدا منهما هو الذى حضر، وأن المبعوث لعمامرة قد اجتمع به.. وأيا كان الطرف الذى حضر أو غاب، فالحقيقة أن الطرف الذى حضر قد أخطأ، كما أن الطرف الذى غاب قد أصاب.
أما السبب فهو أن الذهاب إلى جنيف بالنسبة لأزمات عربية أخرى بخلاف الأزمة فى السودان، كان فى كل مرة تضييعا للوقت واستهلاكا للجهد والطاقة فيما لا يجدى ولا يفيد.
وإذا شئت مثالا فأمامك أكثر من مثال لا مثال واحد، وأقرب الأمثلة هو الجولات اللامتناهية التى انعقدت للتفاوض بين الحكومة الشرعية فى اليمن، وبين جماعة أنصار الله الشهيرة بالجماعة الحوثية.. إن جولات التفاوض بينهما وصلت إلى تسع جولات، وقد انتهت الجولة التاسعة يوم ٦ من هذا الشهر إلى لا شيء شأن ما سبقها من جولات، واتفق الطرفان على جولة عاشرة تجرى خلال شهرين، وفى كل المرات كان التفاوض بلا جدوى ولا نتيجة، وكان اليمن هو الخاسر الوحيد.. بعض الجولات التسع كان في جنيف، وبعضها كان خارجها، ولكن النتيجة لم تكن تختلف.
وما جرى بين الحكومة الشرعية والجماعة الحوثية تكرر بين حكومة الغرب في ليبيا وحكومة الشرق، ولم يحدث أي شيء على مدى سنين من الذهاب إلى جنيف والعودة منها، فلاتزال حكومة الشرق في بنغازي ولاتزال حكومة الغرب في طرابلس، ولايزال البلد منقسما بين الحكومتين.
من كل تجارب المبعوثين الأمميين يتبين أن الحل بالنسبة لليمن في صنعاء لا في جنيف، وأنه بالنسبة للسودان في الخرطوم لا في جنيف، وأنه بالنسبة لليبيا في طرابلس لا في جنيف، وأن الاعتقاد في غير ذلك هو ضحك على النفس وعلى الناس في العواصم الثلاث.
إذا تلقى طرفان عربيان متنازعان دعوة للجلوس على مائدة واحدة برعاية مبعوث أممي، فالمؤكد أنها فخ كبير لا دعوة خالصة لوجه حل الأزمة القائمة.. وأيا كان الفخ مقصودا أو غير مقصود فهو فخ في النهاية، وهذه الأوضاع المأساوية في اليمن بالذات، وفى السودان وليبيا من بعد اليمن، هي أقوى دليل على أن الحل دائما هنا لا هناك.
نقلا عن المصري اليوم