عزمي عبد الرازق يكتب.. حصّنِوها بالأمن وجهاز المخابرات

0

إذا لم تكن صاحب قناعة راسخة بتقوية ومنح جهاز المخابرات العامة الصلاحيات الكافية للتعامل مع المخاطر الماثلة، فأنت بلا شك صاحب أغراض سياسية، أو لم تقرأ سيرة أجهزة الأمن والمخابرات في العالم، بل ربما لن تُصدق أن (CIA) ليست محض مكاتب فنية لجمع المعلومات وتحليلها فقط، فهى دولة بحالها، تضم أكثر من 17 جهازاً، ووصل إجمالي ميزانيتها في العام 2015 ما قيمته 66.8 مليار دولار، ومع ذلك لم نسمع بناشط سياسي، أو نائباً في الكونغرس يطالب بتفكيك سي آي أي، أو تقليص صلاحياتها.

 

 

ولعل القفزة الأهم لجهاز المخابرات الأمريكي حدثت بعد الحرب العالمية الثانية، ليحكم قبضته في 2004، عندما وقع الرئيس جورج دبليو بوش على قانون إصلاح الاستخبارات ومنع الإرهاب، ساعياً، دون معارضة تُذكر، لتعزيز الأمن القومي الأمريكي، ومعالجة المخاوف الاستخباراتية الأكثر إلحاحًا _ومن بينها للمقاربة_ ملفات تشغل بال كثير من السودانيين الأن، الحرب والعدوان الخارجي، ولم يضيرهم رفع شعار “نحن عيون الوطن وآذانه وأحياناً يده الخفية”، ديلا جماعة السي آي إيه تعرفوا إيه السي آي إيه ؟؟.

 

 

نحن في السودان نهوى أوطاننا، ولكننا لا نعبأ بالأمن القومي، أسرارنا معروضة للبيع، ويسقط ذلك الهوى صريعاً أمام أول مشترٍ أت، كما ظهر جلياً خلال هذه الحرب، فإنكشف غطاء العملاء من جماعة (تقدم) وأعوان الميليشيا بربطات عنق مُختلفة، وصحَت الكثير من الخلايا النائمة في ولايات ظلت آمنة، تريد تلك الخلايا أن تروّع الناس بالتفجيرات والمسيّرات، وتجلب لها الخراب، دون أن يكفيها ما فعلت بدارفور والجزيرة والخرطوم، وهى بذلك تحاول دفع الجيش للاستسلام تحت ضغط شعار لا للحرب، كلمة الحق التي يُراد بها باطل.

 

 

بدأت المؤامرة فعلياً لتفكيك جهاز الأمن والمخابرات وترك البلاد في العراء مع تفعيل الشراكة بين قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري، ولمعت صفحاتها أكثر داخل أوراق الاتفاق الإطاري الذي سعى لأن يتبع الجهاز لرئيس الوزراء وحدد واجباته ومهامه وميزانيته، كما حظر عليه ممارسة العمل التجاري والاستثماري، وقال إن رئيس الوزراء الذي سوف تعينه قحت، وهى مجموعة سياسية_ غير مُنتخبة_ هو الذي سوف يعين المدير العام للجهاز ونوابه! ولم يكتف الإطاري بذلك الاستهداف الصريح، وإنما تحدث عن إجراءات وتدابير لازمة لإصلاح وتحديث جهاز المخابرات العامة، على عقيدة ديمقراطية الجنجويد، وكان ذلك هو الفصل الثاني التمهيدي لإشعال الحرب واختطاف البلاد، بينما الفصل الأول تجلى في مسرحية تمرد هيئة العمليات، ليرث دورها وعتادها مرتزقة آل دقلو.

 

حفلات التفاكر إزاء تفكيك جهاز الأمن والمخابرات العامة والتمثيل بجثته كانت تتم داخل سفارة دولة خليجية، هى اليوم الداعم الأول للتمرد، وكانت قوى التغيير ضمن رؤوس المؤامرة، لتغرق البلاد في الفوضى، والتعرض المستمر للاختراق الأجنبي من أن يكون لها جهاز أمن يتمتع بالصلابة، ودريئة من المخاطر الماثلة، وهى قوى سياسية معزولة شعبياً، تقوم بدور المقاول، ولا يهمها تداعي البلاد، في سبيل تحقيق مآربها، كما أنها وفي خطوة ثانية، وبعد أن ضمنت نزع أظافر الجهاز وتحويله إلى إدارة لجمع المعلومات فقط، وتدجّينه بالمرّة، كشفت عن نواياها الاستبدادية، ودوافعها الخبيثة، بحيث نقلت سُلطة الاعتقال إلى الشرطة، بعد أن ضمنت سيطرتها عليها، وتحدثت عن قيام جهاز للأمن الداخلي يتبع لوزارة الداخلية فنيًا وإداريًا، بعد أن وضعت وزير الداخلية في (جيبها) ليقوم جهاز الأمن الداخلي بأعمال ذات طبيعة تمكينية، وتصفية حسابات سياسية، سمه البوليس السياسي أو الغستابو إن شئت، كما كانت تفعل لجنة إزالة التمكين، وهذا أيضاً يدل على أنّ موقف قوى الحرية والتغيير والموقعين على الإعلان السياسي من الحريات ليس مبدئياً، وأن المبادئ عندهم تتجزأ، وأن القضية تتعلق بالسُلطة والسيطرة على الدولة، ولا علاقة لها بالتحوّل الديمقراطي المزعوم، فضلاً على أن الإتفاق الإطاري كان ظاهره تسوية، وباطنه تصفية لأجهزة الدولة لصالح مشروع حميدتي.

 

طوال سنوات الانتقال قام جهاز المخابرات العامة بكل ما يليه، وأبلى بلاءاً حسناً، وأفلح في دوره الموكل إليه كما يجب، رغم أنه لم يسلم من الاستهداف وحفلات التنمُّر، والتحريض المستمر ضد منسوبيه، ويكاد يكون هو المؤسسة الوطنية التي استحقت وسام الصبر والانجاز، في التعامل مع الأوضاع والتحديات الأمنية باحترافية، رغم أنه كان مقيداً، وشريكاً للفترة الانتقالية وفقاً للقانون الجائر، فعمل على سد الثغرات أمام مافيا المخدرات، وعمليات الاتجار بالبشر، ولا تخفى أيضاً عمليات الأمن الاقتصادي للكشف عن التزوير والمتاجرة بالدولار، والتخريب الاقتصادي المتعمد، لكنهم لم يتركوه، وكانوا يسعون لتكرار تجربة حل جهاز الأمن بعد سقوط نظام جعفر نميري في العام 1985، واستباحة البلاد ونهب مواردها ومعلوماتها وأرشيفها السري، وهو ما تسعى له القوى الخارجية المتربصة الأن بالسودان.

 

 

ومع ذلك ثمة أمل يوقده ضباط وجنود جهاز المخابرات العامة، الذين هم اليوم في الخطوط الأمامية، تحثهم على تلك التضحيات الغالية روح وطنية لا تعبأ بالمظالم والتخوين، إذ أنهم فخورون بالدفاع عن بلدهم، والحفاظ على أمنها وكيانها، وذاك بالضرورة يستدعي أهمية عودة صلاحيات جهاز المخابرات، وإجازة قانونه الذي تم التوقيع عليه قبل أكثر من شهرين، فتعطيله يعني المزيد من الاختراق، المزيد من الفوضى، المزيد من شراء الذمم، وصحوة الخلايا النائمة، وترك الدولة فريسة سهلة تحت أنياب عملاء الداخل والخارج، ولعل أفضل من يقود عملية البناء الجديد المدير العام الحالي الفريق أحمد إبراهيم مفضل، ونائبه اللواء محمد عباس اللبيب، إذ هما الأن في قلب معركة الكرامة، مع إخوانهم من ضباط وجنود الجيش والشرطة والمقاومة الشعبية، يقاتلون ببسالة، وقد أدركوا جميعهم، أن سلامة البلاد وأمنها وهيبتها من هيبة جهاز المخابرات العامة.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.