ماذا تريد أمريكا من السودان؟

0

بقلم- محمد مصطفى- في تطور لافت في خطاب أمريكا تجاه الأزمة في السودان، بدأت واشنطن تتحرك بخيوط معقدة تجمع بين الضغط والترهيب وتوجيه الرسائل المزدوجة للجيش السوداني من جهة ولقوات التمرد من جهة أخرى.

 

البيت الأبيض ودوائر صنع القرار في وزارة الخارجية والبنتاغون لا يتعاملون مع السودان باعتباره أزمة إنسانية فحسب بل كملف جيواستراتيجي حساس في قلب القارة الإفريقية تمسه التوازنات الإقليمية و تقاطعات المصالح الدولية.

 

واشنطن الآن تلوّح للجيش بورقة العقوبات والتهديدات المباشرة، بحجة مزاعم استخدام الأسلحة الكيماوية في ساحات المعركة وهي المزاعم التي لم تُثبتها أي جهة مستقلة حتى الآن. لكنها تُستخدم كأداة سياسية لمحاولة ليّ ذراع الجيش وتقييد حركته الميدانية والسياسية تمهيداً لإعادة هندسة المشهد السوداني بطريقة تخدم التوجه الأمريكي في المنطقة وتحد من صعود أي قوى وطنية قد تخرج عن النسق الغربي.

 

في ذات الوقت، لا يمكن فصل اللهجة الأمريكية ضد التمرد عن منطق ضبط الإيقاع وليس معارضته الكلية.

 

التمرد في السودان ظل منذ بدايات الحرب يتحرك في هوامش الرضا الأمريكي ولو بالصمت، لكن تجاوزات عناصره وجرائمه المتكررة بدأت تُحرج واشنطن في المحافل الدولية خاصة بعد تصاعد الأدلة على الانتهاكات الممنهجة ضد المدنيين.

 

ما تريده أمريكا هنا هو تخويف التمرد وكبح اندفاعه عبر التلويح بملفات الإرهاب وجرائم الحرب لا لإنهائه بل لضبطه وتحجيمه ليظل ورقة ضغط لا عبءً أخلاقياً.

 

هذا السلوك المزدوج يفتح الباب لفهم أعمق لنوايا واشنطن التي تسعى إلى إعادة ترتيب الداخل السوداني بما يضمن توازن قوى هش تسيطر فيه أمريكا على مفاتيح الضغط وتبقى هي اللاعب الوحيد القادر على التدخل متى شاءت.

 

الجيش مطلوب منه أن يُهزم سياسياً لا عسكرياً وأن يقبل بالإملاءات الخارجية مقابل رفع الضغوط الدولية أما التمرد فهو في نظر واشنطن أداة يجب التحكم في شراستها لا التخلص منها.

 

المعادلة التي تحاول أمريكا فرضها اليوم تُشبه تماماً ما فعلته في بلدان أخرى حين صنعت أزمات ومن ثم نصّبت نفسها وسيطاً.

 

السودان ليس استثناء والتهديدات الكيماوية مجرد فصل من فصول لعبة كبرى تتجاوز أخلاقيات الحرب نحو إعادة تعريف السيادة الوطنية بما يناسب مصالح القوى العظمى

.

الرد المثالي على محاولات أمريكا للضغط على الجيش السوداني عبر مزاعم استخدام الأسلحة الكيماوية يجب أن يكون بخطاب سيادي واضح ومتماسك يجمع بين الموقف السياسي الحازم والجاهزية الميدانية والتكتيك الدبلوماسي الذكي

 

 

فالاتهامات الأمريكية ليست جديدة وليست نزيهة بل هي أداة ضغط سياسية تستخدمها واشنطن متى أرادت فرض إرادتها على أي دولة خارج طوعها لذلك فإن سحب هذه الورقة منها يبدأ بخطوة جريئة من الحكومة والجيش وهي إعلان القبول بتحقيق دولي مستقل عبر جهات غير خاضعة للنفوذ الأمريكي مثل منظمات حقوقية أفريقية أو آسيوية مستقلة ودعوة مراقبين غير منحازين لزيارة المناطق الميدانية ولقاء المدنيين وجمع الأدلة على الأرض وبهذا يتم نزع الشرعية عن أي اتهام مسبق الصنع كما أن التحرك الدبلوماسي النشط لبناء تحالفات مع قوى كبرى كروسيا والصين وتركيا بات ضرورة أمن قومي وليس خيارا فحسب إذ إن كسر العزلة الدولية المفتعلة حول السودان هو خط الدفاع الأول ضد العقوبات والابتزاز السياسي كذلك فإن تقوية الجبهة الداخلية عبر خطاب إعلامي موحد يفضح النفاق الغربي في دعمه الصامت للتمرد وتوثيق جرائم المتمردين ضد المدنيين واستخدامهم للأسلحة الإيرانية والتركية يضع العالم أمام مسؤولياته الأخلاقية والقانونية أمريكا لا تريد أن يسود الجيش السوداني بل تريده ضعيفا حتى تضمن بقاء أدواتها التمرد كقوة مزعزعة من الداخل لذلك فإن الرد القوي لا يكون بالصمت أو الانفعال بل بإستراتيجية ذكية تبدأ من كشف النفاق وتنتهي ببناء قوة ردع سياسية وعسكرية تجعل من السودان رقما صعبا لا ورقة بيد أحد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.