حوازم مقدم تكتب.. بابنوسة ليست الفاشر.. صمود مدينة تأبى السقوط
بقلم- حوازم مقدم- بابنوسة تُحاصَر اليوم في اعتداء سافر، ومحاولة إسقاط فاشلة سلفًا من قوات الدعم السريع، محاولة يعرف منفّذوها قبل غيرهم أنها ستتحطم على قوة وبأس مقاتلي الفرقة 22 الذين لا يساومون على أرضهم. هذه مدينة لا تُقتحم، ولا تُهدَّد، ولا تُجرّ إلى حرب قسرًا، مهما حاولت مليشيات آل دقلو تزييف الواقع بشعار “القضية” الذي لم يثمر إلا قتلاً ونهبًا ودمارًا في كل مكان وطئته أقدامهم.
في قلب غرب كردفان، تقف بابنوسة اليوم خطًا أحمر لكل من يعرف تاريخها وصلابتها وتركيبة مجتمعها. هذه المدينة ليست غريبة على الصمود؛ فقد واجهت حصارات قاسية من قبل وخرجت منها ثابتة لا تنكسر، وستظل كذلك ما بقي قادتها ورجالها على عزيمتهم المعهودة.
ومادامت الفرقة 22 محتفظة بقياداتها ورجالها على صلابتهم، فإن بابنوسة ستظل شامخة لا تُكسر. وقد حدّثني أحدهم عن شابين يقفان اليوم في خط الدفاع الأول، فقدا والدهما الذي سقط في معارك أم صميمة وهو يقاتل ضمن صفوف الدعم السريع. وبرغم ألم الفقد ومرارة أن يكون والدُهما في صفٍ خان أرضه وأهله، اختار الشابان طريق الشرف، وانحازا إلى وطنهما وأهلهما والتحقا بالفرقة 22 كفرسان حقيقيين لا يساومون على الحق.
ومثل هؤلاء الشباب—
الذين واجهوا الحقيقة بشجاعة، وتركوا إرث الخيانة خلفهم، واشتروا الشرف بموقفهم ودمهم—هم سرّ صمود بابنوسة، وهم الذين يجعلونها عصيّة على السقوط مهما حاولت مليشيات آل دقلو جرّها إلى مستنقع الفوضى.
قادة الدعم السريع أنفسهم يدركون تمامًا أن أبناء الفرقة 22 ليسوا ممن تُنتزع أرضهم بسهولة، أو يُرهبون بحصار، أو تُكسر إرادتهم بالترويع. ويعرفون أن المدينة لن تكون لقمة سائغة، وكل محاولة للوصول إليها لن تكون إلا بابًا جديدًا للدماء وتوسيعًا لرقعة الخراب.
أما “القضية” التي يروج لها آل دقلو، فهي مجرد لافتة زائفة لا تحجب حقيقة الجرائم المرتكبة:
أي قضية تُشرعن قتل الأبرياء؟
أي قضية تُبيح نهب البيوت وإحراق القرى؟
أي قضية تُغلق المدارس وتحرم الأطفال من مستقبلهم؟
أية ديمقراطية تُبنى فوق الجثث؟
لقد رأى العالم—بلا لبس ولا تزييف المجازر والانتهاكات التي خلّفتها مليشيات آل دقلو في مدن السودان ووديانه وطرقه. وما يحدث اليوم حول بابنوسة ليس إلا فصلًا جديدًا في مسلسل الفوضى، ومحاولة لإضافة بقعة دم أخرى إلى خارطة الخراب.
والواقع على الأرض أوضح من أي بيان؛ فالمليشيا التي فشلت في اختراق مدن أضعف تحاول اليوم الاصطدام ببابنوسة، وهي تعلم مسبقًا أن نهايتها هنا ستكون هزيمة معلنة، وأن المدينة لن تكون إلا مقبرة جديدة لأوهام “القضية” الزائفة.
بابنوسة أكبر من أن تُستدرج إلى حرب الآخرين، وأقوى من أن تنحني لهجوم المرتزقة، وأكثر وعيًا من أن تُخدع بشعارات زائفة. وستبقى كذلك… ما دام فيها رجال ونساء يعرفون قدر الأرض وحقها وكرامتها.
