رحيل الكاتب الصحفي عمار محمد آدم 

0

متابعات ـ الزاوية نت ـ توفي الكاتب الصحفي السوداني عمار محمد آدم؛ في مدينة أمدرمان جراء علة لم تمهله طويلا؛ حيث يتم الدفن صباح اليوم ويقام المأتم بمنزله بالقادسية شرق النيل.

 

وأصيب الصحفي عمار بحمى الضنك؛ وأمراض أخرى الزمته سرير المرض في امدرمان؛ لكنه رغم الألم ظل متفاعلا مع ما يجري في الساحة؛ حيث يكتب تعليقاته على الأحداث التي تشهدها البلاد.

 

وكان آخر ما كتبه عمار هو التعليق على الأحداث التي شهدتها الفاشر حيث قال: الرعب الذي ادخله هؤلاء الوحوش في أحداث الفاشر جعلنا نفقد الإحساس بالحياة.. الحزن الجاثم علي صدري يجعلني اصحو مذعورا رغم مرض حمي الضنك الذي جعلني هيكلا عظميا ولكنها الفاشر لا أقوى تحمل ما حدت”.

 

ويعتبر عمار واحداً من الكتاب الصحفيين المثيرين للجدل حيث يتمتع بعلاقات جيدة لدى جميع الأطراف السياسية وعلى الرغم من كونه ينتمي إلى الحركة الإسلامية التي عمل فيها كادرا خطابيا أيام الجامعة وبعد تخرجه حيث انخرط في العمل السياسي؛ إلا أن عمار يجد القبول من جميع السياسيين السودانيين من اليسار إلى اليمين؛ فهو صحفي يحمل روحا طيبة والكثير من الدعابة وسط زملائه.

 

كتب عمار الكثير من المقالات عن انتمائه للإسلاميين وعن مشاركته لهم مع توجيه الكثير من النقد لتجربته معهم التي يقول إن بها بعض الأخطاء واعتذر عمار عن ذلك.

 

وقال الصحفي د. إبراهيم الصديق، إن الصحفي الشجاع عمار محمد آدم كان صادقاً وهو من جيل ما بعد المصالحة الوطنية عام 1977م ، درس في جامعة الخرطوم وكان صاحب سيرة جهيرة في المدافعة بالراي والجهر بالفكرة.

 

وتابع “ظل ذلك دأبة ، كان أكبر من أن تحتويه منظومة سياسية او تيار فكري ، دون أن يتخلى أن غاياته وهدفه وبذات الجرأة”

 

واضاف “غاب ايقونة المجالس والمشاهد والتفاصيل الدقيقة ، كنا نمضى ساعات طويلة في امسيات صحافة الخرطوم ، واغلب الوقت فإن الراحل عمار محمد ادم هو من يتدفق بالحكايات والروايات ، واكتفى بالحواشى ، كان متن شارع الصحافة بكل ثقله واتجاهاته”.

 

وكان آخر مقال كتبه هو بعنوان “وداعاً أيها السودان القديم” حيث تحدث فيه عن الجيل القديم الذي قال إنه تربى في أحضان الاستعمار الانجليزي المصري الغاشم، ومنذ نعومة أظافرهم قد تلقوا كل مراحلهم الدراسية وحتى الجامعة والاستعمار لم يزل جاثماً على صدر البلاد، لم يطردوا المستعمر، ولكن الاستعمار غادر البلاد من بعد أن تركهم في قلب الحياة وسدة الحكم.

 

قال نيوبولد: قد خرجنا ولكننا قد تركنا من خلفنا قواعد فكرية، وقد ظلوا يحكموننا عبر العهود العسكرية والديمقراطية، أجسادهم وأبدانهم معتاد عقولهم وقلوبهم خارج الحدود، قد شقيت البلاد بهم أيما شقاء حينما استأثروا بكل خيراتها من أجل فئة معينة أطلقت على نفسها طبقة المثقفين وهي لا تساوى 5% من الشعب السوداني، وقد وجهت موارد الريف والحضر لأجل هذه الفئة التي ما يأتي حاكم عسكري حتى يهرعون إليه زرافات ووحداناً، يقدمون فروض الولاء والطاعة ويتفانون في خدمته، يثبتون أركان حكمه ويحيطون به إحاطة السوار بالمعصم، يكيلون له الثناء ويدبجون له التقارير التي ترعى مصالحهم أو تحافظ عليها، قد أسكنوا أفخم البيوت وفي قلب العاصمة، وعلّموا أولادهم أحسن التعليم في خارج البلاد أو داخلها، ينتمون وجدانياً إلى غير هذا الشعب، ولكنهم يريدون فقط أن يحكمونه ويتسلطون على رقابه، يتحججون بالوطنية وهم منها براء، ولو كانوا وطنيين حقاً لكانوا مثل أفراد الشعب السوداني؛ يأكلون كما يأكل ويسكنون كما يسكن.

 

من فضل الله على هذه الأمة أن هذا الجيل يغادر الساحة الآن رغم أنفه وغير مأسوف عليه البتة، وبعضهم توزع في الأحزاب بشكل انتهازي، ليصعد على أكتاف الجماهير البسيطة إلى كرسي الوزارة، ليس بهدف رفع معاناة الشعب وتحسين أوضاعه، ولكن من أجل استغلاله والصعود به إلى حيث يريدون، وقد كان الحياء يمنعني من الحديث، ولكن الآن قد بلغ السيل الزبى وبلغت الروح الحلقوم.

 

أصحاب الياقات البيضاء من هذا الجيل قد استغلوا حتى الطبقة العاملة وقضاياها، فهم يتكلمون باسمها ويتاجرون بقضيتها وصولاً إلى أهدافهم البرجوازية الصغيرة، وكم من مفارقات قد شهدناها حين نرى أقواماً يتحدثون عن الفقراء والمسحوقين، ولكنهم يتطاولون في البنيان ويتبارون في كسب ود الأجنبي من خلال تقديم الخدمات الجليلة والمستمرة، تحت مسميات مختلفة طوراً منظمات المجتمع المدني وأخرى حقوق الإنسان، وما إلى ذلك من إفرازات النظام الرأسمالي القمئ، وانزوت طبقة العمال وحقوقها وقضاياها تحت وطأة البرجوازية الصغيرة، وبعضهم قد أشعل فتيل الحرب، وأوقد نارها، تأتي على الأخضر واليابس، وهو يعيش في الفنادق ذوات الخمس نجوم ويرتزق من دماء الضحايا، وقد ولغ في دماء الناس والعياذ بالله.

 

قد آن للصامتين أن يتكلموا في هذا البلد، وأن يصدعوا بكلمة الحق، وأن يقال كل المسكوت عنه، وقد قالت العرب:

“إذا ما الجرح رمَّ على فساد

تبيّن فيه إهمال الطبيب”.

فلابد من أن نفتح جراحنا الغائرة وننظفها من القيح والصديد، وأن يصرخ الجسد من الألم، ومن بعد ذلك؛ نضع الدواء في موضع الألم، أما أن نربت على جراحنا ونأتي بالمسكنات والداء ينخر في دواخلنا؛ فذلك وأيم الله عين الغباء وغاية الاستهتار والغفلة.

بكل أسف، فإن ذاكرة أجيالنا محشوة بالكثير من الغث، تحتشد فيها ذكريات مؤلمة وأحاديث هراء مثل عبارات “صحن الصيني لا فيهو طق ولا شق”، وقد كان فعلاً الصحن صينياً، وما أكثر الشقوق فيه والطقوق، أي ذاكرة نحملها في دواخلنا، وكم تحتاج إلى كلمة ،“delete” وهذا ما يعجبني في التكنولوجيا الحديثة، أنها تمحو ذاكرة كاملة فقط بالدوس على زر (OK) وهذا ما نحن بحاجة إليه الآن، ليس على كل المستويات، ولكن فقط على المستوى السياسي الذي كان عبارة عن سنوات من التيه والتخبط والانهيار المستمر، وعبر العهود العسكرية والديمقراطية معاً بسبب هذا الجيل الأناني.

 

لكم أنا مشتاق لزمان الجيل الجديد الذي يحمل ملامحنا، وهو جيل لا يعرف الكذب والنفاق الاجتماعي، قد تواصل مع الإنسانية ولم يصطنعه الاستعمار لنفسه أو ينفخ فيه من روحه، هو جيل ما يميزه أنه جيل بلا ذاكرة، صادق إلى حد الثمالة، موضوعي غاية الموضوعية، لا توجد أي قواسم مشتركة أو تقاطعات ما بينه وبين الأجيال التي قد سبقته، فقد “صفّر” العداد ولم يبدأ من حيث انتهى الآخرون، ولكنه يكوّن وعيه بطريقته الخاصة من غير تمرد ظاهر أو اختلاف يأتي. إنه الجيل الذي سوف يبني السودان الجديد، وقد استعدوا نفسياً وذهنياً، ولكن الكتل البشرية من الأجيال السابقة تسد عليهم الطرق وتحتكر المواقع، ولابد من إزاحتها برفق ليحدث الانسياب الطبيعي لحركة الأجيال.

بقدر ما أنني متفائل بالمستقبل، برغم الحاضر وعفونته، إلا أنني شديد الحذر من المؤامرات التي تحاك في الخفاء ضد هذه البلاد حتى لا تنطلق هذه الأمة من أسرها وتفك قيودها وترتاد آفاق الرقي والتقدم والازدهار، وقد حباها الله من الثروات العظيمة، وأفاء عليها من نعمه الجليلة، وأغدق عليها من العطاء والأنهار تجري من تحتها وتنهمر الأمطار من السحاب الثقال كل عام، وتخرج الأرض خيراتها خضراً وفاكهة و”قمحاً ووعداً وتمني”، ولو استخرجنا البترول ونفائس الأرض من الذهب واليورانيوم والحديد والنحاس؛ لبلغنا شأواً وما أروعنا ونحن نتغنى بأعذب الأشعار وأروع الألحان الشجية، وما أبهجنا بالنور الإلهي المحمدي النوراني، وقد رضي الله لنا الإسلام ديناً. لا شك أن هذه الوجوه السمر والجباه الغر على موعد مع القدر طال الزمان أم قصر، أراد البعض أو لم يريد، فإن الله متم نوره على بلاد المليون ميل مربع، من حلايب وشلاتين وحتى نوملي ومريري، ومن الجنينة حتى طوكر، ذلك لأن الله مع الصابرين، وكم صبرنا حتى كدنا أن نكون أمة الصبر، ولا شك أن من بعد العسر يسرا، وأن من بعد

الضيق فرجاً ومخرجاً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.