هل يتحرك “الدعم السريع” نحو الولاية الشمالية بعد الفاشر؟

0

بقلم- الدردريري عبدالحميد محمد- في ظل تزايد التوترات الأمنية في السودان، تتردد تساؤلات في الشارع حول احتمالية تحرك قوات الدعم السريع شمالًا نحو الولاية الشمالية على سبيل المثال، وما إذا كان ذلك ممكنًا من حيث الواقع العسكري واللوجستي أم أنه مجرد تخوّف شعبي من اتساع رقعة النزاع. التحليل اللوجستي البحت يشير إلى أن الإمكانية النظرية موجودة، لكن التنفيذ العملي محفوف بعقبات هائلة تتعلق بالمسافة وطبيعة الأرض والإمداد والموقف المجتمعي.

 

المسافات الفاصلة بين مناطق تمركز الدعم السريع في كردفان ودارفور وبين الولاية الشمالية تمتد مئات الكيلومترات في بيئة صحراوية شحيحة الموارد. أي تحرك بهذا الحجم يتطلب سلاسل إمداد متصلة بالوقود والماء والذخيرة، وهي متطلبات صعبة التحقيق في ظل انقطاع الخدمات على امتداد الطرق الصحراوية بين المتمة ودنقلا. بالإضافة إلى ذلك، قوافل كبيرة ستكون مرئية ومكشوفة عبر وسائل الرصد المختلفة، ما يزيد من صعوبة التحرك السري أو المستدام.

 

الطبيعة الجغرافية للولاية الشمالية تجعل أي تحرك عسكري أكثر تعقيدًا، فالأرض مفتوحة وجافة ولا تسمح بتخفي القوات أو التحرك بسرية كما في مناطق أخرى تتوفر فيها تضاريس تسمح بالغطاء. هذا يجعل الاستمرار في السيطرة على مساحات واسعة أمرًا مرهقًا لوجستيًا ويعني اعتمادًا كبيرًا على محاور طرق محددة، ما يعرّض خطوط الإمداد للخطر ويقلل من قابليّة الحفاظ على مكاسب ميدانية طويلة الأمد.

 

البعد المجتمعي يمثل عاملًا مؤثرًا أيضًا؛ فالسكان في الشمالية معروفون بترابطهم وتنظيمهم المحلي، وأي وجود لقوة غريبة قد يواجه رفضًا شعبيًا مبكرًا وتنظيمًا للدفاع الذاتي أو لطلب دعم خارجي ومحلي. هذا الرفض الشعبي يشكل عقبة إضافية أمام فرض سيطرة إدارية طويلة الأمد حتى لو نجحت قوة ما في تحقيق تقدم ميداني محدود.

 

من ناحية التكتيك، يظل احتمال تكثيف المسيرات والهجمات المتفرقة كوسيلة لإرباك المشهد قائمًا، وهو أسلوب قد يحقق تأثيرًا إعلاميًا ونفسيًا أكبر من أثره الميداني الحقيقي، خصوصًا إذا لم يصاحبه تمهيد لوجستي أو دعم جوي أو خارجي مستمر. مثل هذا النمط قد يؤدي إلى اضطراب مؤقت في الخدمات والإمداد ونزوح محدود، لكنه لا يضمن تغيير ميزان السيطرة بشكل مستدام.

 

الخلاصة أن التحرك نحو الشمالية ليس مستحيلًا نظريًا لكنه ضعيف جدًا عمليًا في الظروف الراهنة. العوائق اللوجستية والجغرافية والاجتماعية مجتمعة تجعل أي محاولة احتلال طويل الأمد أمراً صعب التحقيق دون تغيير جذري في القدرات أو خطوط الإمداد. ومع ذلك، يبقى الاحتمال النفسي والإعلامي لتكثيف التحركات مصدراً للقلق يتطلب مراقبة مستمرة.

 

من منظور إنساني ووقائي، على الجهات المحلية والمجتمعات رفع درجة الجاهزية المدنية عبر ترتيب مخزونات طوارئ بسيطة، وضع خطط اتصال بديلة، وتعزيز التنسيق المجتمعي مع الجهات الإنسانية لتخفيف آثار أي اضطراب مؤقت في الإمداد أو الخدمات. المعرفة الدقيقة والتصرف الهادئ يبقيان أهم وسيلة لمواجهة الإرباك وعدم تأجيج الشائعات في أوقات التوتر.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.