متابعات- الزاوية نت- أظهر تقرير آفاق الاقتصاد العالمي 2025 الصادر عن صندوق النقد الدولي في أبريل، أن السودان هو الأعلى ديوناً بين الدول العربية، إذ بلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي 271.979% في عام 2024، ويُتوقع تراجعها إلى 251.98% هذا العام.
يأتي ذلك بعدما عانى السودان خلال العقود الماضية من إفراط في الاستدانة، وتراكم الديون وفوائدها، وسوء الإدارة، إلى جانب العقوبات التي فُرضت عليه لأسباب سياسية، وقيدت قدرته على الحصول على التمويل الدولي. كما كان لانفصال جنوب السودان في 2011 تبعاته، إذ أدى إلى انخفاض حاد في الصادرات النفطية والإيرادات الحكومية، فخسر السودان نحو 75% من إنتاج النفط، و66% من صادراته، ونصف الإيرادات الحكومية، بحسب تقرير للبنك الدولي في سبتمبر 2020.
كما أدت الاضطرابات السياسية بعد ثورة 2019 التي أطاحت بعمر البشير، والحرب الأهلية التي تدور رحاها في البلاد منذ أكثر من عامين إلى تقويض المناخ الاقتصادي والاستثماري في البلاد.
في المرتبة الثانية يأتي لبنان، حيث بلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 164.13%، فقد عمدت الحكومات المتتالية إلى الاقتراض لتمويل عملية إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية في 1990، وشهدت البلاد أزمة سياسية واقتصادية منذ نهاية 2019، تسببت في انهيار الاقتصاد وتزايد معدلات الفقر، وعجزاً ضخماً في ميزان المدفوعات.
واندلعت شرارة الأزمة المالية غير المسبوقة بسبب السحوبات الكبيرة من الودائع، أعقبها تخلف الدولة عن سداد سندات اليوروبوند في مارس 2020، وازدادت الأوضاع الاقتصادية سوءاً خلال جائحة كورونا، ثم انفجار مرفأ بيروت.
منذ ذلك الحين، توقف لبنان عن سداد جميع التزاماته من مدفوعات سندات اليوروبوند بانتظار إعادة الهيكلة.
تحل البحرين في المركز الثالث بين الدول العربية الأعلى ديوناً، إذ بلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 134% في العام الماضي، ويُتوقع أن ترتفع إلى 141.4% في 2025. وتعرضت المملكة، صاحبة أصغر اقتصاد بين دول مجلس التعاون الخليجي، لضغوط على مواردها المالية إثر انخفاض أسعار النفط في 2014، ومرة أخرى خلال جائحة كورونا، رغم حصولها على حزمة إنقاذ بنحو 10 مليارات دولار من السعودية والكويت والإمارات في 2018، دعماً لبرنامج التوازن المالي.
ودفع ارتفاع ديون البحرين وزيادة العجز المالي وكالتي “فيتش” و”إس آند بي غلوبال ريتنيغز” إلى خفض النظرة المستقبلية للمملكة من مستقرة إلى سلبية خلال العام الجاري.
أما في الأردن، بلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 95.9% خلال 2024، ويُرتقب أن تتراجع إلى 92.55% هذا العام، بحسب صندوق النقد، وبعد أن تراجع الدين العام بمعدل كبير منذ التسعينيات حتى 2007، عاد للارتفاع ثانية منذ 2009، نتيجة استمرار العجز المالي وارتفاع عجز الميزان الجاري، بالتزامن مع ضعف النمو الاقتصادي، والاعتماد على التمويل الخارجي في سد عجز الموازنة.
وزادت الضغوط على الاقتصاد الأردني نتيجة سلسلة من الأحداث الإقليمية، مثل حرب العراق، وثورات الربيع العربي، والنزاع السوري، وتدفق اللاجئين، ثم جائحة كورونا، وحرب إسرائيل على غزة. ما زاد الأعباء على بلد يعاني بالفعل شحاً في الموارد، وارتفاعاً في فاتورة الطاقة، وتراجعاً في معدلات السياحة والاستثمار.
تشير بيانات صندوق النقد إلى أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي في مصر بلغت 90.93% في 2024، وأنها ستنخفض إلى 86.59% العام الجاري. توالت الضغوط على أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان خلال السنوات الماضية، من بينها استنزاف الاحتياطيات الأجنبية بعد ثورتي 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، والعجز المستمر في الموازنة، وارتفاع تكاليف خدمة الديون، والاعتماد على التمويل الخارجي في سد العجز المالي، إلى جانب الجائحة، وارتفاع أسعار واردات الطاقة، والتوترات الجيوسياسية في المنطقة، مثل حرب إسرائيل على غزة التي انعكست على إيرادات قناة السويس في ظل الهجمات التي شنتها جماعة الحوثيين على السفن عند مضيق باب المندب.
يُذكر أن الدول العربية ذات نسب الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي المرتفعة تشمل أيضاً تونس 83.1%، واليمن 70.94%، والمغرب 70.03%، وفق بيانات صندوق النقد عن 2024.
تُعد الكويت الدولة العربية الأقل ديوناً، بنسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي عند 3.04%، ويتوقع صندوق النقد أن ترتفع هذه النسبة إلى 7.35% هذا العام. واضطرت الكويت، التي تعتمد بشكل كبير على النفط، إلى اللجوء للسحب من “صندوق الاحتياطي العام” الذي تقلّصت موارده، لتمويل العجز في الميزانية. وفي العام الماضي، باع الصندوق بعض الأصول إلى “صندوق الأجيال القادمة” الذي يُدار معه من قبل “الهيئة العامة للاستثمار في الكويت” (KIA).
جدير بالذكر أن الكويت تمهد لجمع 6 مليارات دولار من أسواق الدين الدولية عبر طرح سندات مقومة بالدولار، بعد أن أقرّت الحكومة في مارس قانوناً طال انتظاره يمهد الطريق أمام الدولة الخليجية لبيع أدوات دين دولية لأول مرة منذ 2017، بعد أن كان التشريع معطّلاً لسنوات بسبب الخلافات السياسية. ويسمح القانون بحدّ أقصى للديون يبلغ 30 مليار دينار كويتي (حوالي 98 مليار دولار) على مدى 50 عاماً.
في المرتبة الثانية تحل السعودية، بنسبة 29.9%، ويُتوقع ارتفاع هذه النسبة إلى 34.85% في 2025، بحسب الصندوق. وطرقت المملكة أبواب الاقتراض الخارجي لأول مرة في 2016 لتمويل عجز الموازنة، ومشروعات “رؤية 2030”. غير أن الإيرادات النفطية، التي مثلت 60.1% من إيرادات الميزانية الفعلية في 2024، وزيادة الاعتماد على القطاع الخاص، وترشيد الإنفاق كلها عوامل ساعدت المملكة على الحفاظ على نسبة منخفضة للدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي.
تأتي الإمارات في المركز الثالث بنسبة 32.1% في 2024، يتوقع الصندوق أن تصل إلى 32.8% هذا العام. وبفضل تحولها إلى مركز عالمي للتجارة والاستثمار والمال، وفائض بنسبة 7.1% من الناتج المحلي الإجمالي في ميزانية 2024، وصافي أصول أجنبية بلغ 157% من الناتج المحلي في 2024، بحسب تقديرات وكالة “فيتش ريتينغز” في تقرير صدر في 24 يونيو عن تأكيد التصنيف الائتماني لدولة الإمارات عند (AA-) مع نظرة مستقرة ، إلى جانب تنويع الاقتصاد، حافظت الإمارات على نسبة معتدلة من الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي.
ولفتت الدراسة إلى أنه في حالة استخدام الدين العام في الاستثمارات الحكومية، يرجح أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع النمو لاحقاً، لكن يمكن توجيه الدين إلى استخدامات أخرى، مثل تمويل تخفيضات ضريبية أو أوجه إنفاق حكومي أخرى.
وخلُصت الدراسة إلى 3 نتائج؛ الأولى: أن الدول منخفضة الدخل تستطيع الاستفادة من زيادة نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي. والثانية: أن خفض مستويات الديون الأولية، أو الاستمرار في مسار خفض الدين، يعزز من احتمال استفادة الدول من مزيد من القروض. والثالثة: أن المشاركة في المبادرة المعنية بالدول الفقيرة المثقلة بالديون يزيد قدرة البلاد على الاستفادة من قروض إضافية.
من جهة أخرى، خلُصت دراسة نشرها “صندوق النقد العربي” في مارس 2024 إلى أن الدول العربية متوسطة ومرتفعة الدخل نجحت في استغلال الدين العام لتحسين النمو المحتمل على المدى الطويل، وتجاوز التبعات السلبية على المدى القصير. أما في الدول العربية منخفضة الدخل، فلا يوجد دليل على أن المديونية العامة تساعد في تحسين النمو الاقتصادي على المدى القصير أو الطويل.
بشكل عام، العبرة هنا بأوجه إنفاق الديون، فاستخدامها في الاستثمار، وإنشاء وتطوير البنية التحتية، والمشاريع المنتجة للسلع والخدمات، والتعليم، والصحة، يؤدي بطبيعة الحال إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي على المدى المتوسط والطويل. بينما تخصص الدول مرتفعة المديونية جزءاً كبيراً من إيراداتها لسداد أقساط الديون وفوائدها.
على الجانب الآخر، فإن ارتفاع الدين العام، لا سيما الدين الخارجي، يترك الدول المقترضة أكثر عُرضة للصدمات الخارجية، مثل ارتفاع أسعار الفائدة العالمية وتقلبات أسعار الصرف، والتوترات الجيوسياسية، مثلما انعكست حرب إسرائيل على غزة وما تبعها من هجمات شنها الحوثيون على السفن في باب المندب على إيرادات مصر من قناة السويس والسياحة، ما يفاقم أعباء الديون وخدمتها.
المصدر: قناة الشرق