سفير السودان لدى موسكو محمد الغزالي في حوار يكشف حقائق الاتفاق مع روسيا حول قاعدة البحر الأحمر
حوار _ محمد جمال قندول
العلاقات بين “الخرطوم وموسكو” كانت ولازالت رغم قوتها تشكل جدلًا واسعًا وصل قمته خلال الأشهر الأخيرة من الحرب الجارية الآن. وكانت الحكومة قد لوحت على لسان كبار مسؤوليها بأنّ العلاقات مع “الدب الروسي” قد تتطور لمراحل أكثر تنسيقا وتعاونًا، ويأتي ذلك بعد المطالبات الواسعة بضرورة الاتجاه شرقًا لضمان حليفٍ قوي يساند السودان في حربه الخارجية ضد التمرد، فيما تواترت خلال الأيام الأخيرة أنباء عن زيارة مرتقبة لرئيس مجلس السيادة إلى روسيا، وللحديث أكثر عن العلاقات “السودانية – الروسية”، استنطقت (الكرامة) سفير السودان لدى روسيا السفير محمد الغزالي، فإلى مضابط الحوار.
السيد السفير، كيف تقيم العلاقات السودانية الروسية؟
العلاقات السودانية الروسية قديمة ومتينة وظلت مستقرةً لدرجةٍ كبيرة في مختلف العهود منذ تأسيسها في عام استقلال السودان 1956 م. ومن المعلوم للجميع أنّ روسيا أو الاتحاد السوفيتي “سابقًا”، ساهمت في عددٍ من المشاريع التنموية بالبلاد، وعلى سبيل المثال مثل مصانع تعليب الفاكهة، وصوامع الغلال بالقضارف وبورتسودان، ومصنع ألبان بابنوسة، ومصانع تجفيف البصل بكسلا ومعمل الأبحاث البيطرية، وعددٍ من المشاريع التي أسهمت في عملية التنمية الاقتصادية.
والعلاقات بين البلدين مرشحة بصورة كبيرة لأنْ تتطور بقوة دفع كبيرة، وذلك امر نابعٌ من رغبة الجانبين والبلدين في تطوير العلاقات في مختلف المجالات.
وبالنظر للدولتين نرى أنّ هنالك مشتركاتٍ كبيرةٍ بينهما تؤهلهما لخلق علاقات قوية ومتينة تعود بالمنفعة على شعبي البلدين، حيث أنّ السودان وروسيا مؤهلتان ولديهما مزايا نسبية وموارد طبيعية، وكل هذه المزايا نأطرها في أعمال اللجنة الوزارية المشتركة التي تضم كافة وزارات القطاع الاقتصادي بالبلدين.
وانعقدت آخر لجنة وزارية في أغسطس 2022، وكانت هنالك مشروعات كبيرة وطموحة ولكنها تعطلت بسبب اندلاع الحرب.
هل تتوقع زيارة مسؤول روسي رفيع للبلاد خلال الفترة المقبلة؟
أصلًا الاتصالات بين البلدين في كافة المجالات لم تنقطع أبدًا حتى في ظل الأزمة الحالية في السودان، وهو تواصلٌ على مستوياتٍ رفيعة، وكان رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان قد التقى وزير الخارجية الروسي في اجتماعات جمعية الأمم المتحدة. وكما تعلم أنّ السيد مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة زار روسيا ثلاث مرات، كما زار نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط وإفريقيا، وهنالك آليات تعاون ثنائية بين البلدين مثل لجنة التشاور السياسي واللجنة الوزارية المشتركة، وهي آلياتٍ تتيح للمسؤولين بين البلدين بتبادل الزيارات. وهذه اللجان تنعقد بصورة تبادلية مرةً في روسيا ومرةً في السودان، وآخر الدورات التي انعقدت لآليات التعاون الثنائي كانت في موسكو، ولذلك حين تتاح الظروف المناسبة ستنعقد هذه الدورات الرفيعة من الجانب الروسي.
فيما يتعلق بالعلاقات، ظل هنالك جدلٌ واسع فيما يخص موضوع إنشاء قاعدة روسية؟
أولًا : هي ليست قاعدة عسكرية وإنما نقطة دعم مادي ولوجستي بالبحر الأحمر، والفرق بينهما كبير. وهي عبارة عن اتفاقية تم التوقيع عليها بين البلدين بالعام 2019، وخاضعة للتقييم بين الدولتين حول مسألة تنفيذ هذه الاتفاقية والتي هي حقٌ سيادي لتنفيذ شراكات وتحالفات، والتعاون حق سيادي لكل الدول متى ما رأت أنّ العلاقات الثنائية تتطور بمجالات معينة وهذا شيء طبيعي يندرج تحت العلاقات الثنائية بين البلدين.
ومن المعروف أنّ العلاقات “الروسية – السودانية” قديمة وراسخة منذ أمد بعيد، وحتى العلاقات “الإفريقية – الروسية” معروف بأنها منذ زمن الاتحاد السوفيتي، حيث ساعدت روسيا العديد من الدول للتحرر من الاستعمار، ولذلك يمكن أن يُقرأ مشروع نقطة الدعم اللوجستي هذه في إطار تطور العلاقات الثنائية بين البلدين ومتروكٌ لهما الوقت المناسب، ويعبر عن الإرادة المشتركة بين الدولتين بالتعاون البناء وهي ليست موجهة ضد أي طرف وإنما في إطار العلاقات بين البلدين.
ما توقعاتك لمستقبل العلاقات بين البلدين على ضوء التقاطعات الدولية؟
المراقبون والمتابعون والمهتمون يلحظون بصورة واضحة أنّ هنالك نظامٌ دولي جديد في طور التشكيل، وهذا النظام الدولي يتجه في اتجاه تعدد الأقطاب الدولية بمراكز اتخاذ قرارات من أقطاب دولية مختلفة، وبالتالي يوفر نوع مما يمكن أن نسميه “ديمقراطية النظام الدولي” أو تعدد الخيارات بالنظام الدولي بالنسبة للدول في بناء تحالفاتها وعلاقاتها الاقتصادية وشراكاتها، ونلاحظ أنّ هنالك منظوماتٍ اقتصادية مثل منظومة الـ”بريكس” التي أضحت من المنظومات الهامة جدًا وتضاهي مجموعة السبع الكبار. وهنالك العديد من المنظمات والتكتلات الإقليمية سواءً كانت من منظور سياسي أو اقتصادي في طور التشكل، وهنالك تكتلات قديمة بدأت تبث في نفسها روح حياة جديدة لتتواكب مع المتغيرات في الساحة الدولية. وبالتالي، من هذا المنظور تصبح الخيارات لدول مثل دولنا خياراتٍ متعددة ومتنوعة، وينظر السودان والدول المتشابهة من حيث الظروف السياسية والاقتصادية لموضوع الشراكات المتكافئة، وطالما أنّ هنالك موجهات روسية واضحة فيما يتعلق بالسياسات الخارجية المبنية على الشراكة المتكافئة، وتبادل المنافع والسيادة المتساوية وهذه مهمة جدًا، فإنّ هذه الموجهات مغرية بالنسبة للدول للتواصل والارتباط بصورةٍ مباشرة مع روسيا في إطار تطوير العلاقات في مختلف المجالات، لذلك أتوقع أن تكون هنالك في الفترة المقبلة انطلاقة قوية جدًا لعلاقات السودان مع روسيا.
التقيت مدير إدارة المنظمات الدولية بوزارة الخارجية الروسية بيتر إلتشيف، وتطرقتم للأوضاع بالبلاد، ماذا التمست من خلال الزيارة؟
من المعلوم أنّ السودان وروسيا لديهما تنسيق في المحافل الدولية من خلال دعم روسيا لقضايا السودان في مجلس الأمن الدولي، واستطعنا عن طريق الدعم الروسي تجنب وقوع السودان في الكثير من المنزلقات ومشاريع القرارات التي تهدد وحدة البلاد وسيادته. ولقاء مدير المنظمات بالخارجية الروسية يأتي في إطار تواصل مع المسؤولين الروس لتنويرهم بآخر المستجدات بالسودان في ظل الأزمة التي تشهدها البلاد جراء ممارسات ميليشيا الدعم السريع الممنهجة والانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان.
وخلال اللقاء مع بيتر إلتشيف كنت حريصًا على نقل ما يجري على أرض الواقع. وكذلك إيصال حقيقة ما يدور حول المساعدات الإنسانية والوضع الإنساني بالسودان، وشرحت للمسؤول الروسي بأنّ الميليشيا استهدفت الأراضي الزراعية ومناطق الإنتاج ومصادرة البذور والمعدات الزراعية والآليات، وروعت وأرهبت المواطنين ومارست كافة أصناف التجاوزات ضد المزارعين مما كان سببًا في خلق واقع مرير وصعب، حيث لم يتمكن المزارعين من حصاد منتجاتهم وكل ذلك يندرج في إطار الممارسات السالبة التي تقوم بها هذه القوات المتمردة. وكما يعلم الجميع أنّه سبق واعتدت الميليشيا على مخازن برنامج الغذاء العالمي بالبلاد، ولذلك فإنّ التأثيرات السالبة على الوضع الإنساني مسؤولة منه بشكل كبير ومباشر الميليشيا المتمردة، وكان هذا جانبًا مهمًا تطرقنا له في اللقاء، وكذلك استعرضنا جهود حكومة السودان في تسهيل انسياب المساعدات الإنسانية للمتضررين، وفتح المعابر وتحديد عدد من المطارات لاستقبال المعونات الإنسانية، وبالتالي الحكومة السودانية متعاونة جدًا في هذا الملف، ولابد من الإشارة إلى أن لا يتم استغلال المساعدات الإنسانية كذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول بصورة واضحة ولا لتنفيذ أجندة خاصة بفاعلين إقليميين أو دوليين يسعون للنيل من السودان.
هل تتوقع بأن تمضي الأمور بين الدولتين إلى الوصول لتوقيع اتفاقيات؟
أودُ هنا الإشارة للزيارة الأخيرة التي قام بها نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار للمشاركة في مؤتمر “اقتصادي دولي”، والذي انعقد في يونيو من العام الجاري، وشارك فيه وزراء “المعادن، والمالية والخارجية” وكانت مشاركة فاعلة، حيث تمكنا من خلال هذه الزيارة من التوقيع على اتفاقية بين وزارة المعادن للتنقيب عن المعادن في المربع “24” وتم التوقيع على مذكرة تفاهم بين جامعة “سان بطرس” للتعليم وهيئة البحوث الجيولوجية وفيها مجالاتٍ كثيرة للتعاون. وبدأنا أيضًا العمل من خلال لقاءات تمت مع مسؤولين روس، حيث كان هنالك لقاءا مهما بين وزير الموارد الطبيعية الروسي وهو رئيس الجانب الروسي في اللجنة الوزارية المشتركة ووزير المعادن ورئيس الجانب السوداني، حيث كان لقاءًا مهما ومثمرًا جدًا وستكون له نتائج إيجابية في المستقبل القريب.
وخلال الفترة المقبلة نسعى لجذب الشركات الروسية الكبيرة خاصة تلك التي لديها خبرة بمجال العمل في السودان للإسهام بصورة مقدرة في إعادة الإعمار في السودان بعد الحرب، وبحث إمكانية عملهم في المناطق الآمنة حاليًا، وحقيقةً نجد منهم تجاوبًا كبيرًا جدًا.
هل لموسكو إسهامات في حرب الكرامة سياسيًا ودوليًا؟
حقيقةً ظل الموقف الروسي ثابتًا ولم يتغير منذ اندلاع الأزمة في السودان بالعام الماضي، حيث تعترف الحكومة الروسية بصورة واضحة وعبرت عن ذلك صراحة بشرعية المؤسسات القائمة بالسودان وعلى رأسها مجلس السيادة بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وتدعم موسكو القضايا الثابتة للسودان بمجلس الأمن الدولي. وتعتبر الزيارة الأخيرة لمبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط وإفريقيا ونائب وزير الخارجية في نهاية أبريل الماضي لبورتسودان، رسالة تضامن واضحة مع الشعب السوداني والحكومة وتأكيدًا على علاقات الصداقة التي تربط البلدين. والحقيقة أنّ الحكومة الروسية وموجهات الحكومة الروسية عادلة لأنها تقوم على مبدأ السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وبناء شراكات جادة ومصالح متبادلة للبلدين.
بعيدًا عن محطة روسيا، كيف تقيم تجربتك في وزارة الخارجية، وما هي أبرز محطاتك الخارجية؟
هي تجربة ثرة ومفيدة ومتنوعة لدرجة كبيرة، وذلك من خلال التنقل بين العديد من الإدارات في رئاسة وزارة الخارجية، حيث أنّ كل إدارة تعالج مواضيعًا مختلفة وفيها تنوع كبير مما يتطلب الإلمام بجوانب عديدة من خلال هذه المواضيع. كذلك التنوع في العمل بالبعثات بالخارج تكسبك مهاراتٍ إضافية وخبرة نوعية مختلفة. أيضًا من كل سفارة لأخرى حسب طبيعة العمل بالبعثات. ومن أبرز محطات عملي بوزارة الخارجية كانت “اليابان”، حيث أنني درست اللغة اليابانية وتعرفت على ثقافة اليابان لفترة طويلة، وكانت ثرةً ومفيدة حيث وقفنا على التجربة اليابانية في الوقوف والتطور بعد الحرب العالمية الثانية، وكيف استطاعت طوكيو رغم أنها لا تمتلك الكثير من الموارد إلا أنّها نهضت وتقدمت بين أقرانها بالعالم محققةً تطورًا اقتصاديًا كبيرا، وكانت تعتمد على الإنسان كمصدر للتطور. ومن التجارب المهمة أيضًا عملي في روما بإيطاليا.