متابعات- رحمة عبد المنعم- شهدت منطقة الجيلي، شمالي الخرطوم نزوح الآف الأسر هرباً من جحيم الحرب، وخوفاً من الانتهاكات التي تمارسها مليشيات “حميدتي” ضد المدنيين من قتل واعتقال وتنكيل، تاركين خلفهم البيوت وجدرانها بعد نهب ممتلكاتها، وتقول مصادر محلية ان نحو 75% من السكان نزحوا من قرى الجيلي إلى مناطق “شندي، الدامر، عطبرة، بورتسودان.. الخ”.
أوضاع قاهرة
قالت مصادر محلية بمنطقة الجيلي لـ(الكرامة) إن المواطنين بمدينة الجيلي يعانون من اوضاع انسانية قاهرة في ظل الحصار المفروض عليهم من قبل مليشيات الجنجويد، مع تجدد الاشتباكات بينهم والجيش في الأيام الماضية.
وأضافت: مليشيات الدعم السريع قامت باستهداف منازل المواطنين بالمسيرات والقذائف في الايام الماضية، مما ادى لمقتل 23 مواطنا وجرح اكثر من 52 بينهم أطفال، واستمراراَ لجرائمها بحق المدنيين، اعتقلت المليشيا 142 شخصاً من منازلهم وعند مرورهم بنقاط التفتيش التي نصبتها في المدينة، كما ان هنالك نحو 16 شاباً مخفيين قسرياً في معتقلات “الجنجويد”.
وأوضحت المصادر أن المدينة تعيش مأساة إنسانية في ظل اشتداد القتال وتزايد النزوح، وان 75% من المواطنين نزحوا إلى مناطق “شندي، الدامر وبورتسودان”، ويقدر عدد النازحين بأكثر من 15 ألف مواطن.
وأشارت إلى أن الأسر النازحة بينها معاق او مريض او مسن، فاضطرت إلى النزوح بمن لديها من افراد ذوي إعاقات الأمر الذي ضاعف المشقة والمعاناة، كما ان الكثير من الأسر نزحت سيراً على الاقدام وبعضها لم تستطع حضور دفن ذويها حين ما علمت بإستشهادهم.
انتهاكات المليشيا
أرتكبت مليشيات “حميدتي” انتهاكات عديدة في حربها على المدنيين بمنطقة الجيلي، انتهاكات ترقى إلى جرائم حرب، وتنوعت تلك الجرائم بين النهب القتل والتعذيب والاختطاف، والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، وتدوين بيوت المواطنين بالقذائف والمسيرات، وقامت بعلميات نهب واسعة طالت ممتلكات المواطنين من سيارات واثاثات وهواتف نقالة.
ويقول المواطن ابراهيم الحاج لـ(الكرامة): “منذ أن ظهرت هذه المليشيات الجنجويدية ارتبط اسمها بالقتل والسحل والتعذيب والنهب والتنكيل التي ترقى لتكون جرائم ضد الإنسانية”.
ويضيف أن “استمرار جرائم المليشيات سيطيل معاناة الشعب السوداني ويحول البلاد مرتعًا للإرهاب ومصدراً لنشره في المنطقة، وما قامت به المليشيات في منطقة الجيلي يفوق الوصف الانساني، هؤلاء لا يشبهون السودانيين، وقريباً سيذهبون لمزبلة التاريخ”.
أرقام مقلقة
مع احتدام المعارك العنيفة بين الجيش ومليشيات الدعم السريع في الجيلي؛ تفاقمت الأزمة الإنسانية، وشهدت المنطقة موجات نزوح واسعة، حيث أُجبر الآلاف على الفرار في ظل ظروف إنسانية معقدة.
وقد أدى القتال إلى نزوح أكثر من (7) آلاف مواطن في أقل من شهر، ليضافوا إلى أكثر من (8) آلاف آخرين نزحوا قبل عام، بعد أن أُجبروا على الفرار من منازلهم والذين يواجهون حالياً ظروفاً قاسية جداً.
وتسبب حصار الجيلي لمدة عام بأزمة إنسانية، مخلفةً أكثر من (10) آلاف شخص ممن هم بحاجة ماسة اليوم للحماية من انتهاكات “الجنجويد”، ومجبرة حوالي (75%) من السكان (15 ألف) على النزوح من منازلهم.
وقال مدير منظمة السلام الخيرية عبد الله جعفر، لـ(الكرامة)، إن نحو 15 ألف شخص اضطُروا للنزوح من مدينة الجيلي منذ ابريل 2023م، ولفت إلى أن النازحين يحتاجون إلى أبسط مقومات الحياة الأساسية في ظل تردي وبطء الاستجابة الإنسانية المقدمة من المنظمات الدولية.
وأشار إلى انهم كمنظمات سودانية يسعون لمساعدة النازحين مع إمكانياتهم المادية البسيطة، وفي ظل ارتفاع ارقام النزوح في كل الولايات، إلا انهم وبمعاونة الخيرين يقدمون ما باستطاعتهم علهم يوقون اسراً شبح الجوع- حد قوله.
من جانبه قال النازح علي الصديق لـ(الكرامة): “اضطررنا لمغادرة الجيلي قبل اسبوعين بعد تفاقم الفتال ووقوع الدانات في المنازل، وقطعنا واسرتي مسافات طويلة سيراً على الاقدام، ولم اسلم من انتهاكات المليشيا، حيث قاموا بجلدي بالسوط في أحد الارتكازات، واتهموني بالعمل مع استخبارات الجيش، ليطلقوا سراحي بعدها، واكمل رحلتي نحو شندي، وحين وصلتها بسلامة، ظللت هائماً على وجهي، ابحث عن منزل للايجار، ومع ارتفاع الاسعار، فضلت الإقامة مع اسرتي في مدرسة مخصصة لسكن النازخين”.
كابوس مزعج
وقال الناشط المجتمعي حسن محجوب لـ(الكرامة): “مؤسف جدا ان تشهد منطقة الجيلي نزوح 75% من المدنيين، والمؤلم حقاً ان هنالك من قتلوا وجرحوا إما داخل منازلهم، أو أثناء سفرهم على الطرقات، أو في أعمالهم التجارية على يد المليشيات الغادرة، ما أضطر الكثير من العوائل والأسر التي تعيش في مناطق قرب مصفاة الجيلي إلى ترك منازلهم وكل ما يملكون، هرباً من الموت وبحثاً عن حياة آمنة”.
واضاف: “في محاولة منهم للحفاظ على حياتهم، افترشوا الشوارع والأرصفة في شندي وعطبرة، وأكلوا من مخلفات القمامة، فتمكنوا من إبقاء أجسادهم، إلى حد ما، على قيد الحياة، لكن أرواحهم فارقت الحياة منذ ذلك اليوم الذي فارقوا فيه أرضهم التي ولدوا عليها، ومزارعهم التي ترعرعوا من خيراتها، ومنازلهم المليئة أركانها بالذكريات، ذكرياتهم مع أبائهم وأجدادهم، ذكرى زواجهم والحب والمودة فيما بينهم، ذكرى أول مولود رزقوا به…، نزحوا تاركين كل ذالك للحرب وتُجارها”.
وتابع محجوب بحسب (الكرامة): “يبقى دائماً الخاسر الوحيد من كل هذا الصراع هو المواطن السوداني البسيط، الذي لا ناقة له ولا جمل في كل ما يحدث اليوم، وجُل ما يتمناه أن يتوقف القتال، ليتمكن من العودة إلى منزله الذي أجبر على تركه، وتنتهي الحرب، لينتهي معها كابوس النزوح هذا الذي استنفد مخزون الكرامة التي طالما عُرف بها الشعب السوداني”.