بقلم- أحمد دقش- تأتي زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح البرهان إلى المملكة العربية السعودية في لحظة إقليمية ودولية بالغة الحساسية، تتجاوز قراءتها من زاوية المجاملات البروتوكولية أو التفاؤل والتشاؤم المفرطين، لتضع الزيارة في سياق أوسع تحكمه تطورات الداخل السوداني وتشابكات الإقليم وتحولات الموقف الدولي من الأزمة.
داخلياً، تأتي الزيارة في ظل واقع عسكري ضاغط، يتمثل في تراجع القوات المسلحة في إقليم دارفور، وتصاعد التهديدات في كردفان، ومخاوف متنامية بشأن استقرار النيل الأزرق وشرق السودان، بما يعكس أن التحركات الخارجية باتت جزءاً من معركة تثبيت الدولة لا مجرد نشاط دبلوماسي اعتيادي.
إقليمياً، يشهد المحيط السوداني إعادة تموضع لافتة. ففي جنوب السودان، تدفع المخاوف من فقدان النفط جوبا إلى مراجعة حساباتها السياسية والأمنية، مع اقترابها مجدداً من الخرطوم. وفي إريتريا، تتقاطع زيارة الرئيس إسياس أفورقي للرياض مع تصاعد التهديدات الإثيوبية المرتبطة بالوصول إلى البحر الأحمر، وهو ما يفسر تأكيد أفورقي العلني على دعم المؤسسات الرسمية السودانية وتعزيز الدور السعودي في حفظ أمن الإقليم.
أما إثيوبيا، فرغم أزماتها الداخلية، فإن طموحها البحري لم يعد خافياً، وتدرك أن تحييد شرق السودان يمثل مدخلاً ضرورياً لأي تحرك تجاه إريتريا، وهو ما يجعل استقرار شرق السودان جزءاً من معادلة الأمن الإقليمي لا شأناً سودانياً داخلياً فحسب.
في السياق ذاته، تتأثر تشاد بتفاعلات معقدة تحكمها الروابط القبلية العابرة للحدود، فيما يرتبط موقف خليفة حفتر في ليبيا بالموقف المصري الداعم للقوات المسلحة السودانية، وهو ما تعكسه اللقاءات المصرية الليبية الأخيرة التي شددت على أن استقرار السودان جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري والليبي.
تزامن زيارة البرهان مع اتصال وزيري خارجية السعودية ومصر يؤكد أن التحرك السعودي يجري ضمن تنسيق إقليمي أوسع، خصوصاً في إطار “الآلية الرباعية”، مع تركيز متزايد على وقف إطلاق النار وتسهيل العمل الإنساني، والحفاظ على وحدة السودان ومؤسساته.
على الصعيد الدولي، يبرز تحول ملحوظ في توصيف الأزمة السودانية، حيث تتزايد الضغوط السياسية والإعلامية على داعمي الدعم السريع، مع تحميلهم مسؤولية الانتهاكات، وفرض عقوبات أمريكية وبريطانية على قادته وشخصيات مرتبطة به، في مقابل تنامي خطاب يدعم مؤسسات الدولة السودانية ويعيد توصيف الدعم السريع كقوة متمردة.
في هذا الإطار، ينشغل البعض بالشكل البروتوكولي للزيارة وإمكانية لقاء البرهان بمبعوثين أمريكيين، متجاهلين أن المدرسة الواقعية التي تحكم العلاقات الدولية اليوم تجاوزت كثيراً من القوالب التقليدية، وباتت تفضل المسارات الأقصر والأكثر تأثيراً، حتى وإن جاءت عبر قنوات غير تقليدية.
خلاصة القول، إن زيارة البرهان إلى الرياض تحمل دلالات تتجاوز بعدها الثنائي، وتعكس لحظة مواتية لإعادة تعريف الأزمة السودانية إقليمياً ودولياً، في ظل دور سعودي متنام في ملفات البحر الأحمر وأمن الإقليم، غير أن هذا الدور لا ينفصل عن منطق المصالح، حيث تستثمر القوى الإقليمية، وعلى رأسها السعودية، في بقاء مؤسسات الدولة السودانية، ومنع تفكك جغرافيتها السياسية، وإغلاق الفراغ الأمني الذي قد تستغله المليشيات أو أطراف إقليمية منافسة. ويبقى تحويل هذه اللحظة إلى مكسب فعلي رهناً بقدرة السودانيين على توظيف هذا الزخم سياسياً وأمنياً، وتقديم رؤية متماسكة تحفظ وحدة الدولة وتعزز استقرارها بدعم من شركائها الإقليميين.
