بقلم الخبير العسكري- محمد مصطفى- في قراءة متأنية لخريطة العمليات في إقليم دارفور خلال الحرب، يتضح أن الانسحابات التي نفذها الجيش السوداني من الولايات الخمس لم تكن نتيجة لانهيار عسكري مباشر أو لتفوق ميداني لقوات التمرد، بل كانت في الغالب استجابة لظروف معقدة فرضها الحصار، وانقطاع الإمداد العسكري، وندرة الذخيرة، والضغط الإنساني المتزايد، إضافة إلى طلبات واضحة من الإدارات الأهلية في بعض المناطق لتجنيب السكان الدمار.
الجيش خاض معارك شرسة في نيالا بجنوب دارفور وتمكن من الصمود لأشهر رغم نفاد الإمدادات، قبل أن ينسحب بعد نفاد الذخيرة تماماً، وهو ما تكرر في زالنجي، والجنينة، والضعين، حيث لعب العامل الإنساني وضغط المجتمع المحلي دوراً حاسماً في اتخاذ قرار الانسحاب.
ما يجب التأكيد عليه أن ما حدث في دارفور لم يكن تفوقاً ميدانياً خالصاً للتمرد، بل تفريغ قسري للميدان نتيجة ظروف خارجة عن إرادة الجيش في تلك اللحظة، ومن الخطأ قراءة تلك الانسحابات على أنها مؤشرات دائمة أو دليل على هشاشة المؤسسة العسكرية.
أما ما يُروّج له حالياً حول قدرة التمرد على إسقاط مدن كردفان الكبرى مثل كادقلي أو الأبيض فهو خطاب دعائي بعيد عن الواقع، إذ أن هذه المدن تختلف جذرياً عن سابقاتها من حيث التركيبة الاجتماعية والولاء الشعبي الواضح للجيش، إضافة إلى التحصينات والجاهزية العسكرية العالية.
التقديرات الواقعية تشير إلى أن أي محاولة للتمرد لاختراق هذه المناطق ستُقابل بخسائر فادحة، بل إن هذه المدن هي الأقرب لتكون نقطة انطلاق استراتيجية لاستعادة دارفور، لا سيما وأن الجيش أعاد ترتيب خطوطه واستعاد زمام المبادرة في عدد من المحاور المهمة.
الحديث عن الانهيار الشامل مجرد وهم دعائي لا يصمد أمام المعطيات الميدانية والواقع الشعبي والسياسي في كردفان.
