تقرير- محمد جمال قندول- في خطوةٍ تعكس اهتمام قيادة الدولة بملف العودة الطوعية وإعمار العاصمة الخرطوم واستجابتها كذلك لما يتناوله الاعلام ، أصدر رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة قرارًا بتشكيل لجنة قومية عليا لتهيئة ولاية الخرطوم، وذلك لعودة المؤسسات والمواطنين.
ويعكس التوجه الأخير، تناغم قيادة الدولة مع متطلبات المرحلة التي تستدعي تضافر كل الجهود لكسب معركة لا تقل أهميةً عن العمليات العسكرية، إذ تحتاج الخرطوم لإرادةٍ قوية قبل الموارد في سبيل استعادة الخدمات خاصةً “الكهرباء والمياه”، فضلا عن نظافة الشوارع من مخلفات الحرب لتهيئة الأجواء للمواطنين.
خارج الصندوق
وشهدت ولاية الخرطوم موجات عودة كثيفة خلال الفترة الماضية، حيث عادت الحياة بشكلٍ كاملٍ في أم درمان، بينما بدت الروح تدب في أجزاءٍ واسعة من محلية بحري، أما محلية الخرطوم التي تعد الأكثر تضررًا من الحرب وويلاتها، تحتاج بشدةٍ للوقوف حولها وإمكانية الدفع بخططٍ وأُطروحات خارج الصندوق لضمان استعادة الخرطوم لعافيتها، وهو ما كان يتطلب “لجنةً قوميةً”، وقد كان بقرار رئيس مجلس السيادة أمس “الأربعاء”.
حدث مهم في شارع الحرية بالخرطوم
قلب الخرطوم، شهد حدثًا مهمًا أمس الأول، حينما عاود التجار بـ”شارع الحرية” نشاطهم بحضور والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة، الرجل الذي يعمل في صمتٍ ويتحرك بشكلٍ مُذهلٍ في إطار ترميم الحياة بعاصمة أنهكتها الحرب، جراء الخراب الممنهج الذي مارسته ميليشيات آل دقلو الإرهابية.
وكان رئيس تحرير صحيفة “الكرامة” الاستاذ محمد عبدالقادر قد خطّ مقالًا قُبيل أسبوعين، كشف فيه عن أوضاعٍ صعبة تعيشها محلية الخرطوم، تتطلب ضرورة تشكيل لجنة عليا قومية للإعمار، وقال إن الخرطومُ، سادتي، لا تصلحُ الآن لعيشِ (البني آدمين)، ولا حتى للإبلِ والكلابِ الضالّةِ التي ما زالتْ تجدُ مُبتغاها من الجثثِ التي خلّفتْها الحربُ، الخرطومُ مدينةٌ جاثيةٌ على ركامِ المأساةِ، تَكيلُ الرمادَ على رأسِها في كلِّ يومٍ، وقد تحوّلت إلى “كوشةٍ كبيرةٍ” تحتاجُ إلى تفكيرٍ خارجَ الصندوقِ لجعلِ الحياةِ فيها ممكنةً.
وأضاف “أشفِقُ جداً على والي الخرطومِ وهو يقودُ منفرداً جهودَ الإعمارِ وتوفيرَ الخدماتِ ومواجهةَ التفلتاتِ الأمنيةِ، الأمرُ الآن أكبرُ من إمكانياتِ الولايةِ، مما يَحتِّمُ على ولاةِ أمرِنا تكليفَ لجنةٍ قوميةٍ لمواجهةِ الدمارِ والخرابِ الهائلِ الذي لحقَ بكلِّ شِبرٍ فيها، وهي تأوي أكثرَ من ثُلثِ سكانِ السودانِ، و90% من المصانعِ، وتضمُّ أعداداً كبيرةً من المؤسساتِ والمواقعِ الجيواستراتيجيةِ…
بالمقابل، يرى الخبير العسكري والمحلل السياسي اللواء معاش د. عبد الحميد مرحوم، أن قرار تشكيل لجنة عليا لتهيئة العاصمة لعودة الوزارات السيادية وغيرها لولاية الخرطوم، قرارٌ صائب وجاء في الوقت المناسب. لأن الخرطوم الآن في أمنٍ وأمان، وجاهزة لاستيعاب كل من يصل إليها خصوصًا “الوزارات” التي لها دورٌ فعال في تسيير دولاب العمل في الدولة.
وقال د. مرحوم: إنّ تكوين اللجنة برئاسة الفريق إبراهيم جابر مساعد القائد العام للقوات المسلحة، يُدل على أهمية اللجنة التي يرأسها عضو بمجلس السيادة، وبالتالي، فإنّ المطلوبات كثيرة والاحتياجات متزايدة، وتحتاج إلى شخص له قرار وسلطات واسعة لتسيير الأمور وتسهيل العمل، وهذا واضح.
وأضاف: عودة الدولة إلى الخرطوم يعني بالضرورة عودة توابعها من الموظفين والعاملين والمصالح التي تتعلق بهذه الوزارات وأعمالها وبالتالي، فإنّ هنالك الكثير من المتعاملين مع هذه الوزارات وأصحاب المصالح سيعودون بالضرورة إلى الخرطوم، لأنه لا توجد منطقة أخرى يمكن من خلالها تسيير أعمالهم أو تحقيق مصالحهم.
من ناحية أخرى حسب د. عبد الحميد، فإنّ تكوين اللجنة من قيادات تنفيذية عليا وعلى رأسهم والي الخرطوم، دليلٌ على الجدية في الطرح، وتوقع نتائج حاسمة.
ويضيف: هنالك شق آخر ضمني وهو: إعادة إعمار الخرطوم، فوجود هذه الوزارات والمصالح بالضرورة أن يكون هنالك تحسنٌ في خدمات “المياه، والكهرباء، والاتصالات” وما إلى ذلك من متطلبات العمل، وهذا سيعجل بعودة المواطنين الذين بدأت أعدادًا منهم بالعودة الفعلية إلى الخرطوم.
ويرى د. مرحوم أن تشكيل اللجنة العليا لتهيئة ولاية الخرطوم لعودة المؤسسات والمواطنين خبرٌ سار جاء في وقته، وهو دليلٌ أيضًا على توفر الموارد والإمكانات التي هي أكبر من إيرادات وإمكانات وميزانيات ولاية الخرطوم، وأضاف: “نرجو للجنة التوفيق، وأن تظهر آثار مجهوداتها وعملها بسرعة كبيرة، لأنها ستكون مثل المغناطيس وجودها سيجذب الكثير من المنافع والمصالح والإعمار لولاية الخرطوم، والتي ستنعكس خيرًا وبركة على الخرطوم والولايات الأخرى المجاورة لها”.