وكالة الصحافة الفرنسية تكشف ما جرى للمرتزقة الكولومبيون في جبال الأنديز

0

متابعات- الزاوية نت- كشف تحقيق نشرته وكالة الصحافة الفرنسية بعنوان “من جبال الأنديز إلى دارفور: كولومبيون جرى استدراجهم إلى ساحات القتل في السودان” أن الإمارات شكّلت العقدة المركزية في شبكة استجلاب المرتزقة الكولومبيين للمشاركة في حربها لغزو واحتلال وتقسيم وانتهاك سيادة السودان، عبر التجنيد، والتمويل، والتدريب، وتوفير مسارات العبور الجوية واللوجستية من أبوظبي إلى ليبيا والصومال ثم دارفور.

 

وبحسب التحقيق أن مرتزقة تلقّوا رواتبهم عبر شركة أمنية مقرها أبوظبي، مرتبطة بعقود مع مؤسسات حكومية إماراتية، بينما جرى نشرهم في أخطر مسارح القتال وارتبطوا بجرائم جسيمة بينها تدريب أطفال.

 

وكشف التحقيق أن الجنود الكلومبيون المرتزقة يتلقون رواتب تراوحت بين 2500 و4000 دولار شهريًا، بحسب أحد الجنود السابقين، أي ما يصل إلى ستة أضعاف معاشهم العسكري.

 

وأكدت الوكالة الفرنسية إن نقل المرتزقة بدأ بالمرور عبر مدينة بوصاصو في الصومال، حيث أفادت مصادر محلية بأن قسمًا تديره الإمارات داخل قاعدة عسكرية استضاف فصائل من أجانب يرتدون الزي العسكري، نُقلوا على متن طائرات شحن وإن مسؤولين عسكريين إماراتيين يتمركزون في جزء معزول من المطار.

 

 

جرى استدراج مئات الجنود الكولومبيين السابقين إلى السودان بوعود برواتب إماراتية مرتفعة. لكن ما وجده كثيرون منهم كان الموت في حرب بعيدة اتسمت بالقتل الجماعي والاغتصاب والمجاعة وتجنيد الأطفال.

كشف تحقيق لوكالة الصحافة الفرنسية كيف انتهى المطاف بمرتزقة كولومبيين في الجانب الآخر من العالم، عبر شبكة من المصالح والصمت تمتد من جبال الأنديز إلى دارفور.

 

ومن خلال مقابلات مع أفراد من عائلات المرتزقة ومع المرتزقة أنفسهم، إضافة إلى سجلات شركات وبيانات، وتحديد المواقع الجغرافية لمقاطع مصورة من ساحات القتال، تكشف AFP كيف عزز هؤلاء صفوف قوات الدعم السريع، وهي ميليشيا شبه عسكرية متهمة بارتكاب إبادة جماعية.

 

أبرز ما توصل إليه تحقيق AFP:

– جرى تجنيد المرتزقة في البداية عبر تطبيق واتساب، ثم نُقلوا إلى السودان مرورًا بالإمارات العربية المتحدة حيث خضعوا لمهام تدريبية قصيرة

 

– بعد ذلك دخلوا السودان عبر مسارين على الأقل: أحدهما عبر شرق ليبيا الخاضع لقوى موالية للإمارات، والآخر عبر قاعدة جوية في بوصاصو بالصومال تضم مسؤولين عسكريين إماراتيين

 

– تحديد المواقع الجغرافية لمقاطع صوّرها المرتزقة أنفسهم يضعهم في مواقع بعض أعنف المعارك في دارفور

– الشريك السابق لعقيد كولومبي متقاعد، فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات، يقول إن المهمة كانت نشر 2500 رجل ضمن صفوف قوات الدعم السريع

 

منذ اندلاع الحرب عام 2023، تمزق السودان بصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، تغذيه تنافسات إقليمية تشمل الإمارات العربية المتحدة ومصر والسعودية وإيران.

 

يقاتل جنود الجيش النظامي السوداني رفاقهم السابقين في قوات الدعم السريع، في نزاع دفع البلاد إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

 

ظهر مرتزقة أجانب على جانبي الحرب، معظمهم من دول أفريقية مثل إريتريا وتشاد. لكن لم ينفذ أي منهم عملية منظمة ومعقدة كما فعل الكولومبيون، الذين جرى استقطابهم بسبب خبراتهم في تشغيل الطائرات المسيّرة والمدفعية.

 

وفي المقابل، تلقوا رواتب تراوحت بين 2500 و4000 دولار شهريًا، بحسب أحد الجنود السابقين، أي ما يصل إلى ستة أضعاف معاشهم العسكري.

 

وفي 9 ديسمبر، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أربعة مواطنين كولومبيين وشركاتهم لدورهم في هذه الشبكة العابرة للحدود. لكنها لم تُسمِّ الحلقة الإماراتية في العملية: شركة أمن خاص تُدعى «مجموعة خدمات الأمن العالمية» (Global Security Services Group)، مقرها أبوظبي، وتضم قائمة عملائها عدة وزارات حكومية إماراتية.

 

وقد نفت الإمارات مرارًا دعمها لقوات الدعم السريع. وردًا على استفسارات AFP بشأن هذا التحقيق، قال مسؤول إماراتي رفيع إن بلاده ترى «نمطًا من التضليل الإعلامي يحيط بهذه الحرب ولا يخدم أحدًا».

 

تدريب الأطفال في دارفور

في كولومبيا، تعاني عائلات المرتزقة في صمت. قالت إحدى الأرامل، التي فضلت عدم الكشف عن اسمها خوفًا: «لم يُعيدوا جثمانه إلى الوطن بعد».

 

زوجها، البالغ من العمر 33 عامًا، وهو جندي سابق، قُتل خلال ثلاثة أشهر من وصوله إلى السودان في منتصف عام 2024، عندما كانت حملة قوات الدعم السريع للسيطرة على غرب دارفور تتعثر. وعلى مدى أشهر، حاصرت القوات آخر معاقل الجيش في الفاشر.

 

ورغم أن قوات الدعم السريع يُقدَّر عدد مقاتليها بعشرات الآلاف، فإن معظمهم من المشاة ضعيفي التدريب، ويبرعون أكثر في عمليات النهب والاغتصاب مقارنة بالعمليات بعيدة المدى والمتقدمة التي ينفذها الكولومبيون.

 

وبحسب الولايات المتحدة، «وبدعم من مقاتلين كولومبيين»، تمكنت قوات الدعم السريع أخيرًا من السيطرة على الفاشر في أكتوبر، وسط أدلة على عمليات قتل جماعي واختطاف واغتصاب.

 

وتُظهر مقاطع فيديو تحققت منها AFP وحددت مواقعها الجغرافية وجود كولومبيين داخل المدينة ومحيطها قبل سقوطها.

في أحد المقاطع، يظهر مقاتلون وهم يقودون سياراتهم قرب أنقاض مخيم زمزم المحترقة، بينما يستمعون لموسيقى الريغيتون. ويقول أحدهم بلكنة كولومبية: «كل شيء مدمر».

 

وقد اجتاح المخيم في أبريل؛ وفرّ أكثر من 400 ألف شخص، وقُتل ما يصل إلى ألف، وفقًا لشهادات ناجين تحدثوا عن مجازر ذات طابع عرقي.

 

وتُظهر صور أخرى الرجل نفسه وهو يقف إلى جانب فتيان يحملون بنادق هجومية. وفي مقطع آخر، يقوم رفاقه بتدريب مقاتل على إطلاق قاذف صواريخ.

 

وتقول ميليشيا متحالفة مع الجيش إن ما يصل إلى 80 كولومبيًا شاركوا في حصار الفاشر منذ أغسطس.

وتُظهر صور قدمها المتحدث باسم «القوات المشتركة» أحمد حسين — الذي قُتل لاحقًا خلال هجوم قوات الدعم السريع على الفاشر — جثة الرجل نفسه مضرجة بالدماء، وقد جرى التعرف عليه من ملامح وجهه وتقويم أسنانه، وموسومة بصفته «قائد الفصيل».

 

وتقول السلطات المتحالفة مع الجيش إن ما لا يقل عن 43 كولومبيًا قُتلوا.

وتفيد وزارة الخارجية الكولومبية بأن عددًا غير محدد من مواطنيها «تعرضوا للخداع» من قبل شبكات اتجار دفعتهم للذهاب إلى السودان.

 

خداع واستبدال

بعد عام من تقاعده، تلقى مختص كولومبي في تشغيل الطائرات المسيّرة رسالة عبر واتساب.

وقال الرجل، البالغ من العمر 37 عامًا، في حديثه إلى AFP بشرط عدم كشف هويته، إن الرسالة نصّت على: «هل هناك أي قدامى محاربين مهتمين بالعمل؟ نبحث عن احتياطيين من أي قوة. التفاصيل عبر رسالة خاصة».

 

وأبلغه رجل عرّف نفسه بأنه عقيد سابق في سلاح الجو أن الوظيفة في دبي. فوافق.

يتقاعد سنويًا آلاف الجنود الكولومبيين في سن مبكرة نسبيًا وبمعاشات متدنية. وقد وجد كثير منهم في السابق فرص عمل ضمن برامج تمولها أبوظبي، مثل حراسة أنابيب النفط أو القتال في اليمن ضد الحوثيين.

 

لكن في مكالمة لاحقة، أُبلغ الجندي بأن دبي ستكون في الواقع مجرد محطة عبور لبضعة أشهر من التدريب، قبل نشره في «أفريقيا» لتنفيذ مهام استطلاع تكتيكي.

 

وبعد أن ساوره الشك، تواصل مع صديق يعمل بالفعل في الإمارات، حذره من أنه سينتهي على الأرجح في السودان، فرفض العرض.

 

لكن كثيرين من مواطنيه قبلوه، وشرعوا في رحلات بدا أنها مصممة لتفادي الرصد.

غير أن بعض المقاتلين كانوا أقل حذرًا من غيرهم.

أحد المرتزقة، كريستيان لومبانا، وثّق رحلته إلى السودان عام 2024 عبر فرنسا وأبوظبي على وسائل التواصل الاجتماعي. ووفقًا لمجموعة التحقيقات «بيلينغكات»، حدد مقطع نشره على تيك توك موقعه في صحراء جنوب شرق ليبيا.

 

وتخضع شرق ليبيا لسيطرة القائد العسكري خليفة حفتر، الذي صعد بدعم من الإمارات. ومنذ اندلاع الحرب في السودان، شكّلت أراضيه ممرًا حيويًا لقوات الدعم السريع لتزويدها بالسلاح والوقود والمقاتلين.

وبعد أيام من آخر منشور له، تعرض رتل لومبانا لكمين في صحراء دارفور. وانتشر مقطع صوره مقاتل خصم يظهر وثائق لومبانا وصوره العائلية متناثرة على الرمال. وكان جواز سفره يحمل ختم دخول إلى ليبيا.

 

محطة الصومال

تشير وثائق وشهادات حصلت عليها AFP إلى أن العقيد الكولومبي المتقاعد ألفارو كيخانو كان الشخصية الرئيسية وراء عمليات التجنيد.

وتحدثت AFP إلى شريكه التجاري السابق، الرائد السابق عمر رودريغيز، الذي قال إن كيخانو «أوقف» العملية مؤقتًا العام الماضي بعد عدة كمائن في الصحراء.

 

وخلال هذا العام، بدأ المرتزقة بالمرور عبر مدينة بوصاصو في الصومال، حيث أفادت مصادر محلية بأن قسمًا تديره الإمارات داخل قاعدة عسكرية استضاف فصائل من أجانب يرتدون الزي العسكري، نُقلوا على متن طائرات شحن.

 

وتقع بوصاصو في إقليم بونتلاند شبه المستقل، حيث قامت أبوظبي منذ عام 2010 بتدريب وتسليح وتمويل قوة شرطة بونتلاند البحرية، وفق خبراء الأمم المتحدة ومحللين أمنيين.

 

وقالت مصادر أمنية لـAFP إن مسؤولين عسكريين إماراتيين يتمركزون في جزء معزول من المطار.

وفي نوفمبر، ظهرت تقارير عن تسريب ضخم لبيانات نظام التأشيرات الإلكترونية في الصومال، كشف معلومات شخصية لما لا يقل عن 35 ألف شخص، يُعتقد أن من بينهم كولومبيين كانوا في طريقهم إلى السودان.

 

وردًا على ذلك، قال مستشار الأمن القومي الصومالي عويس حاجي يوسف لـAFP: «علينا التحقيق في الأمر، ونحن نعمل على ذلك»، مشددًا في الوقت نفسه على أهمية الحفاظ على العلاقات الجيدة مع الإمارات.

 

وقال مسؤول إماراتي رفيع لـAFP إن الإمارات «ترفض أي ادعاء بأنها زودت أو موّلت أو نقلت أو سهّلت إيصال أسلحة إلى أي من أطراف النزاع».

 

لاحقًا، قال وزير الدفاع الصومالي أحمد معلم فقي أمام البرلمان إن طائرات كانت تقلع من بوصاصو «إلى تشاد والنيجر، لتصل إلى غرب السودان».

 

ووصف سكان محليون مشاهدتهم مجموعات من رجال ذوي بشرة فاتحة وبنية عسكرية يُرافقون إلى مناطق محظورة في المطار، ثم يُنقلون على متن طائرات شحن.

 

وتُظهر صور الأقمار الصناعية وبيانات الرحلات التي راجعتها AFP نشاطًا متكررًا لطائرات «إليوشن IL-76D»، وهو الطراز نفسه المرتبط بخطوط إمداد قوات الدعم السريع.

 

أثر الأوراق والوثائق

فرضت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي عقوبات على كيخانو وزوجته كلوديا أوليفيروس بوصفهما عنصرين رئيسيين في «شبكة عابرة للحدود لتجنيد الكولومبيين» للقتال في السودان.

 

وقالت وزارة الخزانة الأميركية: «منذ سبتمبر 2024، سافر مئات من العسكريين الكولومبيين السابقين إلى السودان للقتال إلى جانب قوات الدعم السريع»، مضيفة أن بعضهم درّب مجندين من الأطفال.

 

وتحدثت AFP إلى مرتزقين سابقين قالا إن شركة «الوكالة الدولية للخدمات»، المعروفة أيضًا باسم A4SI، كانت ترسل المجندين أولًا إلى الإمارات، ثم إلى شرق ليبيا، ثم إلى السودان.

 

وحصلت AFP على 26 وثيقة موقعة من كولومبيين في شرق ليبيا، تفوض شركة إماراتية — «مجموعة خدمات الأمن العالمية» — بدفع رواتبهم.

 

ووصف أحد العقود، متضمنًا بند سرية، الوظيفة بأنها «حارس أمن». وكانت الرواتب تمر عبر شركة مسجلة في بنما.

وتُظهر السجلات التجارية الإماراتية أن «مجموعة خدمات الأمن العالمية» مملوكة لمحمد حمدان الزعابي، وتسوّق نفسها على أنها الجهة الوحيدة المخولة بتقديم خدمات أمن مسلحة للحكومة الإماراتية.

 

وقد أزالت الشركة مؤخرًا إشارات إلى وزارات حكومية إماراتية من موقعها الإلكتروني.

 

ولم ترد أي من الشركات المعنية على طلبات AFP للتعليق.

وجدّدت الإمارات نفيها دعم أي طرف في السودان، رغم تقارير صادرة عن خبراء أمميين ونواب أميركيين ومنظمات دولية تتهمها بدعم قوات الدعم السريع في انتهاك لحظر الأسلحة المفروض على دارفور.

وفي كولومبيا، أقرّ المشرعون قانونًا يحظر تجنيد المرتزقة. لكنه جاء متأخرًا بالنسبة لمقاتل كولومبي يبلغ 25 عامًا قُتل في السودان العام الماضي، وقالت امرأة عرّفت نفسها بأنها ابنة عمه لـAFP: «وصل رماده إلى كولومبيا».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.