صراع العروش بين الرياض وأبوظبي..كيف انقلب التحالف الخليجي إلى معركة وجود؟
بقلم- مكاوي الملك- مجزرة النهاية: صراع العروش بين الرياض وأبوظبي… من حدود السبعينات إلى حرب السودان- كيف انقلب التحالف الخليجي إلى معركة وجود؟
في السنوات الأخيرة بدا للعالم أن السعودية والإمارات هما أقرب حليفين في المنطقة…شريكان يتحركان كتلة واحدة بلا خلافات تُذكر..لكنها كانت مجرد واجهة ناعمة تخفي خلفها صراعاً عميقاً يمتد جذوره لستين عاماً.
صراع لم يبدأ مع محمد بن سلمان ومحمد بن زايد.. بل سبق قيام دويلة الإمارات نفسها منذ الستينات كانت السعودية تسعى لترسيم حدودها شرقاً نحو شريط القبائل المتنقّلة الذي تحوّل لاحقاً إلى الإمارات..لتظهر منذ اللحظة الأولى أول شرارة للخلاف.
ومع اتفاقية جدة 1974 التي تنازلت فيها الإمارات عن جزر وأراضٍ غنية بالنفط وعلى رأسها الحويصات و80% من حقل الشيبة..تجذّر الخلاف وتحوّل من مسألة حدودية إلى صراع نفطي استراتيجي.
وفي الثمانينات والتسعينات بينما كانت السعودية قوة الخليج العظمى كانت الإمارات تبني مشروعها العالمي: ترفيه “دعا” مراكز مالية .. هوية هجينة…وعلاقات واسعة مع الغرب..لم ترَ الرياض في هذا المشروع تهديداً… حتى ظهر محمد بن سلمان.
مع رؤية 2030 تغيّر كل شيء: المملكة تحولت إلى دولة انفتاح اقتصادي وترفيه عالمي…تنافس دبي وأبوظبي في السياحة..الطيران…الموانئ..والشركات العالمية..فجأة اصبح السؤال:
من يقود الخليج؟ من يرضى عنه البيت الأبيض؟ ومن يملك مفاتيح أمن البحر الأحمر؟
■ الطلقة الأولى: إف-35 ومنحنى الانحياز الأمريكي
الإمارات سبقت الجميع نحو الـF-35 بعد التطبيع..لكنها سقطت فجأة من الحسابات: خوف أمريكي من الصين..رفض إسرائيلي..واعتراض في الكونغرس بسبب دعم أبوظبي للميليشيات
المفارقة أن الدولة التي لم تطبع…بل تشترط دولة فلسطينية..هي اليوم بخطة استراتيجية وحكمة انتصرت بالحصول على الطائرة الشبح… لأن الرياض طرحت الملف ضمن تحالف شامل مع واشنطن..لا كصفقة سلاح فقط
هنا بدأ ميزان القوة يتحرك
■ ساحة الانفجار الحقيقي: السودان
السودان كان نقطة التحوّل التي جعلت الصراع مكشوفاً لأول مرة
السعودية رأت في السودان عمقاً استراتيجياً وأمناً قومياً مباشراً: البحر الأحمر..الممرات البحرية.الأمن الغذائي..مكافحة التهريب..واستقرار جارتها الإفريقية
لذلك دعمت الجيش السوداني وتبنّت مسار جدة
الإمارات اختارت العكس تماماً: مولت ودعمت حميدتي وميليشيا الدعم السريع (الجنجويد)سيئة السمعة ..مولته بالمال والسلاح..وفتحت دبي لتجارة الذهب المنهوب من السودان
وعندما انفجرت الحرب..اتضحت خطوط النار:
الرياض منحازة للدولة… وأبوظبي منحازة للمليشيا
الأخطر جاء مؤخراً:
وفقا للصحف الغربية الموثوقة ولي العهد محمد بن سلمان طلب من ترامب التدخل لوقف النفوذ الإماراتي ومعاقبة أبوظبي والمليشيا
ترامب كتب لأول مرة عن السودان… والبرهان مباشرةً شكره علناً
هذه لم تعد منافسة… بل مواجهة مباشرة على مستوى الدول
■ لماذا هذا الانفجار الآن؟
لأن السعودية ترى:
• أن وجود ميليشيا على البحر الأحمر تهديد مباشر
• أن الفوضى في السودان خطر على أمن الطاقة والغذاء
• أن دعم الإمارات لحميدتي تجاوز “النزاع السياسي” إلى تهديد إقليمي
أما الإمارات فترى:
• أن السودان جزء من شبكة نفوذها الممتدة من الموانئ إلى الذهب
• أن خسارة حميدتي = خسارة أهم ورقة لها في القرن الإفريقي
• أن صعود السعودية السريع يهدد دورها كعاصمة مالية ولوجستية
■ سوريا واليمن والبحر الأحمر… جبهات صراع إضافية
في سوريا:
السعودية تبنّت أحمد الشرع ودعمته سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا وأول زيارة خارجية ل احمد الشرع كانت للرياض وبدأت السعودية بضخ استثمارات بمليارات الدولارات في سوريا ولقاء الشرع وترامب كان بتخطيط ودعم السعودية
الإمارات تمسّكت ببشار الأسد منذ 2018 وبعد سقوط بشار وظهور الشرع أجبرت ابوظبي بالتعامل مع الشرع المدعوم من السعودية وتركيا وامريكا
في اليمن:
الرياض تدعم الحكومة ووحدة اليمن
أبوظبي تدعم المجلس الانتقالي الانفصالي
في البحر الأحمر والقرن الإفريقي:
السعودية تبني قواعد وشراكات استراتيجية
الإمارات تبني شبكة موانئ ومليشيات تطوق الطرق البحرية والسعودية
■ القشة التي كسرت ظهر العلاقة: الاقتصاد
الرياض رفعت سقف المنافسة إلى مستوى لا سابقة له:
• نقل المقرات الإقليمية إلى السعودية… ضربة مباشرة لدبي
• صندوق استثماري يشتري نصف العالم
• مشاريع طيران تنافس الإمارات
• مدينة “نيوم” التي تهدد مستقبل دبي السياحي
• دخول السعودية إلى كرة القدم الإنجليزية… مقابل مانشستر سيتي الإماراتي
المنافسة لم تعد سياسية فقط… بل أصبحت اقتصادية على كل مليمتر
■ أخطر تسريب: ولي العهد السعودي قالها صراحة
حسب تقرير وول ستريت جورنال قبل عامين:
«الإمارات طعنتنا من الخلف… ولو لم تلتزم بما طلبناه سنفعل بها ما فعلناه بقطر — وربما أسوأ»
وتسريب آخر وقتها :
محمد بن زايد لم يتحدث مع محمد بن سلمان ستة أشهر كاملة
هذه ليست خلافات… بل كانت بدايات ومقدمات “حرب باردة خليجية”
الخلاصة: لماذا هذا هو «زمن مجزرة النهاية»؟
لأن كل الملفات — من النفط إلى البحر الأحمر..من السودان إلى اليمن…من أمريكا إلى الصين — وصلت لمرحلة:
إما الرياض أو أبوظبي
حرب النفوذ لم تعد “صراع جيران” بل معركة عروش على قيادة الخليج والشرق الأوسط
وساحة الحسم النهائية الآن: السودان… لأنها تكشف من يحكم البحر الأحمر..ومن يكسب ثقة واشنطن..ومن يملك مستقبل القرن الإفريقي
السعودية تتقدم
الإمارات تتراجع وفضحت عالمياً
والخريطة الإقليمية تُكتب من جديد
هذه هي مجزرة النهاية… نهاية مرحلة..وبداية صراع أكبر
