مهندسون يكشفون المثير بشأن عدادات الكهرباء للدفع المقدم

0

كتب – يوسف عمارة أبوسن – تحت عنوان “عدادات HC المعيبة.. مليارات ضائعة وخطر يهدد الاقتصاد السوداني”، تحدث فيه عن خلل في عدادات الكهرباء للدفع المقدم وتساءل “عدادات HC أزمة تقنية أم فشل إداري؟ قائلا: في قلب أزمة الكهرباء بالسودان، تقف عدادات الدفع المقدم عالية التيار (HC) كقضية شائكة، فهي ليست مجرد خلل تقني عابر ، بل تمتد إلى تشابكات إدارية ومالية تهدد الاقتصاد الوطني، ورغم التحذيرات المتتالية من المهندسين والتقارير الرقابية، لا تزال الإدارة العامة للتوزيع تتجاهل معالجة المشكلة، بل وتستمر في توريد المزيد من هذه العدادات المعيبة.

 

تمثل هذه القضية اختبارًا حقيقيًا لإرادة الإصلاح داخل الشركة السودانية لتوزيع الكهرباء، حيث تتكبد خزينة الدولة مليارات الجنيهات سنويًا دون مبرر، بينما تظل التساؤلات المشروعة للعاملين والمهندسين المخلصين بلا إجابة..

 

يكشف تتبع تطور الأزمة عن نمط مثير للقلق من التكرار وتجاهل التقارير الفنية على مدى سبع سنوات :

– 2018: قسم الفاقد بالخرطوم يكتشف لأول مرة خللًا في عدادات HC، ويصدر قرارًا بوقف تركيبها.

– 2020: المدير العام يصدر قرارًا جديدًا بوقف هذه العدادات واستبدالها بعدادات أكثر دقة مثل ZMD، لكن القرار لم يُنفذ.

 

– ديسمبر 2024: تقرير رسمي في دنقلا يُوضح أن الفقد في العدادات HC بلغ 62% في الطاقة الفعالة و100% في الطاقة غير الفعالة، بخسائر تتجاوز 1.2 مليار جنيه في ولاية واحدة فقط خلال عام.

– مايو 2025: دراسة ميدانية في كسلا تؤكد نفس الخلل في مرافق حيوية منها مستشفى المبارك، وتوصي بوقف صرف هذه العدادات فورًا.

 

أرقام مفزعة وخسائر متصاعدة

تكشف البيانات الميدانية الموثقة في عدة ولايات عن صورة قاتمة للخسائر الفادحة التي تتكبدها الشركة والاقتصاد الوطني بسبب هذه العدادات المعيبة، وتبلغ نسبة التوصيل المباشر (Bypass) في بعض المناطق 61%، مما يعني أن جزءًا كبيرًا من الاستهلاك لا يتم تحصيله مطلقًا، ويمثل قطاع كبار العملاء (الزراعي، الصناعي، الخدمي) أكثر من 40% من إيرادات الشركة السودانية لتوزيع الكهرباء، وفق التقارير الداخلية، مما يضع العمود الفقري للإيرادات في خطر محدق.

 

التضارب إداري وتقاطع المسؤوليات

يعد غياب المظلة الإدارية الموحدة لقطاع كبار العملاء أحد الأسباب الجذرية لاستمرار الأزمة، إذ تتوزع المسؤوليات بين إدارات متعددة (الفاقد، كبار العملاء، المالية، التوزيع)، مما يؤدي إلى تضارب القرارات وفاقد إضافي في التحصيل.

 

يقول أحد المهندسين المطلعين على الملف: “على مدى سنوات، قمنا بتنفيذ حملات تفتيش ميدانية في دنقلا، بورتسودان، وكسلا، وأعددنا دراسات تحليلية دقيقة، ورفعنا مذكرات وخطابات للإدارة العليا تحذر من الاستمرار في توريد العدادات المعيبة، لكن هذه المبادرات اصطدمت بمعوقات أساسية، أبرزها التجاهل المتكرر من الإدارة العليا للتقارير”.

 

انعكاسات الأزمة على الخدمات الأساسية والاقتصاد

تمتد تأثيرات الأزمة لما وراء الخسائر المالية المباشرة لتطال القطاعات الحيوية والخدمات الأساسية للمواطنين وتؤدي إلى:

– إضعاف قدرة الشركة المالية بسبب تراجع الإيرادات الذي يضعف الصيانة ويؤثر على استقرار الشبكة الكهربائية ككل.

 

– انقطاع الخدمة عن قطاعات حيوية مثل المصانع، المستشفيات، مشاريع المياه والزراعة مهددة بالشلل بسبب عدم استقرار التغذية الكهربائية.

 

– تراجع الثقة بين العملاء الكبار والشركة نتيجة لغياب العدالة في الفواتير ودقة القياس.

– زيادة الفاقد العام على مستوى الشبكة وهو ما تؤكده تقارير الأداء الأخيرة، مما يفاقم أزمة الكهرباء على المستوى الوطني.

 

تثير قضية العدادات المعيبة العديد من التساؤلات التي تنتظر إجابات شافية من المسؤولين:

  1. لماذا لم يتم تقييم أو مناقشة الدراسات المحذرة؟

فرغم وجود دراسات تحليلية دقيقة مدعومة ببيانات فنية وتقارير ميدانية من عدة ولايات، إلا أن الإدارة العليا لم تقم بتقييم أو مناقشة هذه الدراسات بشكل جاد.

 

  1. لماذا الإصرار على الاستمرار في توريد العدادات المعيبة؟

ففي عام 2025 وحده، تم إدخال أكثر من 500 عداد HC جديد إلى المخازن وصرفها للمكاتب، رغم وضوح الخلل والتحذيرات المتكررة، وهذا التصريف يستمر رغم وجود بدائل تقنية مثل عدادات ZMD التي تم التوصية بها منذ عام 2020.

 

  1. لماذا يتم توجيه الموارد نحو العدادات المنزلية وإهمال قطاع كبار العملاء؟

يمثل قطاع كبار العملاء أكثر من 40% من إيرادات الشركة، ورغم ذلك لا يحظى بالأولوية في توزيع الموارد والاهتمام.

 

  1. من المستفيد من تجاهل هذه الكارثة المالية؟

الخسائر المليارية موثقة في تقارير رسمية متتابعة، تدفع للتساؤل عن ما إذا كان التجاهل مجرد إهمال أم أن هناك مصالح خفية وراء استمرار الوضع المعيب.

 

يطرح العاملون والمهندسون المتابعون للملف والمهتمون بحماية المال العام جملة من الحلول العاجلة والطويلة الأمد لمعالجة الأزمة تتمثل في :

 

– الوقف الفوري لصرف عدادات HC وسحبها من المخازن.

– تشكيل لجنة تحقيق عليا مستقلة لمراجعة الملف ومحاسبة المسؤولين عن استمرار توريد هذه العدادات رغم التحذيرات.

 

– إنشاء مظلة إدارية موحدة لإدارة قطاع كبار العملاء وضمان المتابعة والمساءلة.

– تبني بدائل تقنية مثل عدادات ZMD أو العدادات الذكية لتقليل الفاقد وضمان الشفافية.

وتبقى التساؤلات المشروعة التي يطرحها مهندسو الشركة السودانية لتوزيع الكهرباء مشروعة ومُلحة، فالقضية لم تعد مجرد خلل فني في العدادات، بل تحولت إلى قضية وطنية تمس الاقتصاد والأمن القومي، وتستدعي تدخلاً عاجلاً من أعلى المستويات.

 

والمواطنون ينتظرون إجابة واضحة، والعاملون يستحقون إصغاءً لتحذيراتهم، والمال العام يستحق حماية من الهدر، فإما أن تكون الشركة السودانية لتوزيع الكهرباء للجميع، أو تتحول إلى منصة لاستنزاف موارد الدولة تحت سمع وبصر من لا يتحملون المسؤولية تجاهها.

 

فملف عدادات الدفع المقدم (HC) ليس مجرد خلل تقني، بل هو قضية تمس الاقتصاد الوطني والخدمات الأساسية، كما أن تجاهل الإدارة العليا للتوزيع للتقارير والدراسات، مع الاستمرار في صرف العدادات المعيبة، يبعث رسالة خطيرة بأن المسؤولية مغيبة، وأن المال العام يضيع بلا محاسبة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.